رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 16 رجب 1424 هـ -13 سبتمبر 2003
العدد 1594

العراقيون ومعنى الهوية البعض يتلهّى بشتم العراقيين وكأن شتمهم في الثقافة العربية واجب قومي عروبي
عمار البغدادى

" كثير من المثقفين العرب باعوا أقلامهم وضمائرهم لصالح حفنة من الدولارات اشتراهم بها صدام حسين للدفاع عن نظامه

" العراقيون يعتزون بعروبتهم وقوميتهم ولكن ليست العروبة الصدامية التي تمجد حروبه وصداماته المسلحة وأسلحته الكيماوية

 

يبدو أن معارك العراقيين (الكلامية) مع بعض مثقفي (العروبة) لاتقل ضراوة عن تلك المعارك التي خيضت في التاريخ الإسلامي البعيد عن (خلق القرآن) حيث أطيح بالعديد من المصطلحات الفلسفية والمنطقية والاستدلالات الراجحة في الفكر الإسلامي، فيما خفف البعض من حجة الصياغات القرآنية (العتيدة) المتداولة والمسلم بها بين فقهاء التفسير، والسبب في ذلك أن (جماعتنا) من أبناء (العروبة) يلحّون بشتمنا والامتعاض منّا واستفزازنا وكأننا لسنا عرباً ولا عراقيين بدعوى أن مدناً ومحافظات عراقية في الشمال والجنوب باستثناء ما يسمى جدلاً في الثقافة العسكرية الأمريكية بـ(المثلث السنّي) لاعلاقة لها بالعمليات العسكرية التعرضية ـــ التي تقوم بها بعض المجموعات السلفية وفدائيو صدام وبقية فلول أجهزة المخابرات وآخرون لم يرضهم اختفاء صدام ـــ ضد القوات الأمريكية·

أستطيع التأكيد هنا أن مثقفين عرباً كنا نقرأ لهم أيام زمان ونترحم على آبائهم وأجدادهم كلما ذكّرونا بتاريخ الدولة الإسلامية العتيدة وأمجاد الفتوحات العربية يتقربون بسبّنا وشتمنا واستفزازنا الى التيار الذي بدأ يتنامى مع نمو الشعور المتزايد بالامتعاض من وجود قوات التحالف في العراق، ويحسبون أن هذا الشتم (واجب شرعي ووطني وتاريخي وقومي) عليهم، وكأن العراقيين هم الذين استقدموا القوات الأمريكية، وهم الذين هددوا العالم بترسانة أسلحة الدمار الشامل وقرروا في ليلة من ليالي (القنص الصدامي المسلح) في 2 آب 1990 غزو الكويت والإطاحة بسيادة دولة ذات سيادة معترف بها دولياً ولديها تمثيل واسع في المنتديات والمحافل العربية والإسلامية والعالمية، وكأنهم هم (العراقيون) الذين قرروا بعد قيام الثورة الإيرانية شنّ أوسع حرب جنونية ضد إيران 1980- 1988، وكأنهم هم من جلبوا للمنطقة العربية وشعوبها وحضارتها وثقافتها واحدة من أوسع الهزائم السياسية والعسكرية في التاريخ!·

إن مشكلة المثقف العربي الذي يجد في سب القوى السياسية الوطنية وشعبها في العراق مقياسا للعروبة واقترابا من المصداقية الشخصية تكمن في عدم التفريق المفترض بين عراق صدام وعراق الأمة التي تنتمي للحضارة العربية والإسلامية في العراق، ولقد كافحت مختلف فصائل (المعارضة العراقية) اليسارية واليمينية الإسلامية والوطنية، طيلة أكثر من 30 عاماً في المحافل والمؤتمرات القومية من بيروت الى عمان ومن مدريد الى نيويورك ومن باريس الى طنجة إزاء ضرورة إيجاد هذا الفصل الحقيقي بين نهج النظام ودكتاتوريته وإرهابه في الداخل والخارج وشغفه بالتسلط والهيمنة والاستلاب وقهر الشعب العراقي وإذلال الأمة وجيران العراق وبين الشعب العراقي الذي يئن من الظلم والقهر والجبروت، لكن كل الصيحات السياسية والدعوات الأخوية الصادقة التي انطلقت من حناجر عراقية وطنية وإسلامية حقيقية كانت تصطدم على الدوام (للأسف الشديد) بجدار الفصل الطائفي الذي كان يتمترس خلفه طابور كبير من المثقفين العرب، وكأن العراقيين الذين كانوا يقاتلون النظام ودخلوا سجونه واستضافتهم مقابره الجماعية شبابا ونساء وشيوخاً وأطفالاً ـــ وهم خيرة أبناء العراق ـــ ليسوا عربا ووحدهم (المثقفون) الذين يسبون ويشتمون هم العرب والأمناء على العروبة وتاريخها وقيم الحضارة الإسلامية ومُثُل المشروع القومي، وكلما اقترب العراقيون فصائل وقوى سياسية وتجمعات مدنية وعلماء دين ومثقفين من حائط الفصل بين العراقيين والنظام ووجهوا واصطدموا في الوقت ذاته بصيحات تُنكّل بتاريخهم وتصفهم بأقسى التوصيفات والنعوت والمفردات وتنعتهم بالعمالة للأجنبي!، فيما كان العراقيون لا يريدون من المثقف العربي إلا هذا التفريق لكنه لم يحصل!، ولم يسبق للمعارضة العراقية أن طالبت العرب قيادات سياسية وتجمعات ثقافية بضرورة تقديم الدعم العسكري والسياسي لها في معركتها الوجودية ضد نظام صدام·

إن المشكلة لاتكمن في التفريق ولا بغياب (الضمير الحيوي) الذي راهنّا عليه منذ هزيمة 1967 مشروعاً لليقظة العربية والنهضة القومية واستعادة دور ومكانة الثقافة العربية شاخصا أساسياً للتمرد على الأجواء السائدة وصناعة غد عربي مشرق بل تكمن (للأسف الشديد) أيضاً في بيع عدد غير قليل من المثقفين العرب لأقلامهم و(ضمائرهم) لصالح (ضمير مستتر) يرتدي القفازات والنظارة السوداء والقبعة العريضة ويحمل حقائب (الشرف القومي) وهي ممتلئة بدولارات النفط العراقي الذي كان يباع بالمجان لصالح أدوار لاقيمة لها في حساب الضمير لأنها لاتستطيع أن تمثل الدور المفترض لمثقف لم يتأسس (تاريخيا) إلا لحماية دم أخيه العربي من أن يسفح على بلاط السلطان والدفاع عن شرف الشعوب لا الدفاع عن شرف (الأنظمة) الفاسدة كنظام صدام·

لذلك من حق العراقي الخارج للتو من معاناة تاريخية ومأساة قل مثيلها في عالم الإنسانية أن يوجه أصابع الاتهام لكل مثقف ينتمي لمناخ (العروبة) يغمز عروبته من قناة (التواطؤ) مع قوات الاحتلال، فما جرى على العراقيين خلال عهد نظام صدام لو كان جرى على أي من هؤلاء الذين يتحدثون بسوء عن العراقيين وتاريخهم وعروبتهم وانتمائهم لبلدهم لأعلن براءته من العروبة والتاريخ والوطن، ولاتخذ هوية أخرى غير هويته وعطّل ذاكرته النابضة بالفتوحات والأمجاد وقوافل انتصارات العرب في الأندلس وفرنسا وأوربا الشرقية واستعان بذاكرة وعقل آخرين هربا من وطن لايرى فيه إلا تماثيل صدام واحتفالات باذخة وشعراء عرب يمتدحون الطاغية ويخلعون عليه توصيفات لم تخلع على أمهر السيوف العربية في التاريخ·

لذا نجد لزاما أن نذكّر بعد أن ساد لغط كبير حول معنى الهوية العراقية وحدودها ودلالتها على ضوء التحولات الدراماتيكية التي حدثت في بغداد أن العراقيين ليس لهم بديل آخر عن عروبتهم لكن ليس أية عروبة! فالعروبة التي كانت تمجّد صدام ونهجه القومي وحروبه الكارثية وصداماته المسلحة وأسلحته الكيماوية متعددة الأغراض والتوجهات أسقطها العراقيون الى الأبد من حسابات الهوية، والعروبة التي تنتقص من شأن العراقيين وتنكل بذاكرتهم وتاريخهم وقيمهم الإسلامية والوطنية والقومية وتشتمهم لأنهم لم يحفظوا الود مع (حامي البوابة الشرقية) للوطن العربي وتستفز مشاعرهم لأنهم لم ينسقوا مع فلول فدائيي صدام وأجهزة مخابراته هي عروبة صدامية لا علاقة للعراقيين بها ويفترض أن ترحل من أجندة الثقافة العربية المعاصرة وأولوياتها برحيل نظام الكيمياوي والادعاءات القومية الكاذبة في بغداد·

إن العروبة التي تتنكر لعرب العراق في العمارة والبصرة والناصرية والكوت والسماوة والفاو وللكردي العراقي في زاخو وحلبجة وشقلاوة وتتهمهما بالتآمر على وحدة البلد في الوقت الذي كان فيه صدام يفتح أجواء العراق لطائرات الـ(يو·تو) وأرضه وسيادته الترابية لفرق المفتشين، ويستقدم بعقليته ونهجه التآمري قوى التحالف الدولي، هي عروبة لاعلاقة لها بالقواعد المفترضة لبناء نهج العلاقات الأخوية الصادقة بين أمة العرب، لذلك نعتقد أن المثقف العربي الذي يتخندق بمفرداته ومصطلحاته الصادمة ضد العراقيين من دون أن ينصف تاريخهم من الحروب العربية الإسرائيلية وانخراطهم في العمل الفدائي المسلح في الستينات ومجمل مواقفهم إزاء محنة العرب مع أنفسهم وجيرانهم هو مثقف متآمر، وقد حان الوقت الذي يضع فيه الجميع النقاط على كل الحروف على قاعدة تفكيك معنى المثقف وحدوده ودوره الوطني والقومي والإسلامي وعلاقته بالأمة والإثنيات القومية والدينية والاجتماعية فلا معنى لمثقف يدعي العروبة في المغرب ويستغرق في خلاف بلده مع البوليساريو مثلاً ويكافح وينافح عن حق المغرب بالصحراء ويتحدث بلغة أنيقة عن الكيانية المغاربية لكنه يتلذذ ويتشفى بالحديث عن الأقانيم الثلاثة في العراق (شيعة، سنة، أكراد)، ومن الصعب قبول منطق مقاومة القوات المحتلة عند شرائح واسعة من العراقيين في الداخل ــ على خلفية الخطر الداهم الذي تشكله عودة النظام ثانية اذا ما قرر التحالف الدولي مغادرة العراق ــ مثال الكاتب فرج أبو العشة فيما هو يتغنى بالديمقراطية والحرية والدعوة لمواجهة عنف الحاكم ولو بالتوسل بالشيطان لا لشيء إلا لأن العراق القادم سيكون فيه متسع من الوقت لمجيء تركيبة قيادية رجالية تفسح المجال أمام ديمقراطية حقيقية غير زائفة ولا مستوردة يعيش في ظلها العراقيون بأمان واستقرار·

أن المثقف العربي مطالب بحماية المصطلح من التزييف والمفردة الحقيقية من المؤامرة والعقل من الطائفية والضمير من الاعتقال، وإذا كان العراقيون مطالبين بمقاومة الاحتلال وإخراج قوات التحالف من بلادهم ــ وهو مطلب دعت وتدعو إليه القوى السياسية الوطنية والإسلامية ومسلم به في كل الأوساط ولا أحد يجادل في فرضيته السياسية مثلما لا أحد من العرب يستطيع المزايدة على العراقيين في الدفاع عن هذا المبدأ وحمايته والوصول الى ذروة أهدافه ــ فإن على بعض أبناء (العروبة) من الذين لا همّ لهم إلا توجيه الشتائم والاتهامات الطويلة العريضة لنا إعطاء الشعب العراقي وقواه السياسية ومرجعياته الدينية الوقت الكافي لكي يستطيع بلوغ أهدافه الوطنية أولاً وإعطاء المثل الأعلى في تحديد معنى الهوية الجديدة، وهو تحديد سيخرج المعنى من حدوده السابقة المرتبطة بثقافة شبلي شمّيل وساطع الحصري والتعريف السطحي للأشياء عميقا في الانسجام مع سمو المعنى المرتبط بسمو الذات·

 

نقلا عن موقع كتابات

www.kitabat.com  

�����
   
�������   ������ �����
 

متى تستقر الحال في العراق؟:
عودة الضاحيü
ضرورة استمرار النهج "الحكيم":
د. جلال محمد آل رشيد
أين نحن من الثقة:
أنور الرشيد
آفاق ورؤية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
آراء في اللامشروعية:
المحامي عبد الكريم جاسم بن حيدر
متى تستقر الحال في العراق؟:

العراقيون ومعنى الهوية البعض يتلهّى بشتم العراقيين وكأن شتمهم في الثقافة العربية واجب قومي عروبي:
عمار البغدادى
الجهراء القديمة والواحة وتيماء: مناطق كويتية منسيّة؟:
خالد عايد الجنفاوي
حق الإنسان في السلامة الجسدية وعدم التعرض للتعذيب:
المحامي د.عبدالله هاشم الواكد
إلى كل من يدعي أنه وطني:
محمد حسين الصالح
أين متحف الكويت الوطني؟:
يحيى الربيعان
ألم يحن الوقت لكي يرحلوا؟:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
ضرورة استمرار النهج "الحكيم":

المتناقضات!!:
عبدالله عيسى الموسوي
أصداء وأضواء الحكومة العراقية الجديدة:
حميد المالكي
واقع مأساوي:
المحامي نايف بدر العتيبي