رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 - 18 محرم 1420هـ 28 ابريل 4 مايو 1999
العدد 1374

حرب البلقان.. محاولة للفهم(1-2)
دبي الحربي
dabbey@taleea.com

بلغراد والفهم الخاطئ

 

تفجر المآسي الإنسانية في منطقة البلقان، لا يقتصر على الأبعاد التاريخية والطائفية والعرقية الظاهرة أو الكامنة وراءه، وإن كان نتاحا طبيعيا لما سمي أو عرف سياسيا "بالبلقنة" التي أعقبت الحربين العالميتين الماضيتين، وإنما يعود الى أسباب رئيسة عدة، أبرزها التعامل القاسي مع رغبات تقرير المصير لبعض الطوائف والأعراق من قبل بلغراد مثل ما حصل في كرواتيا والبوسنة والهرسك، وأخيرا ألبان كوسوفو، وذلك خلال فورة وتنامي الحس الوطني ضد الأنظمة الشمولية بعيد انهيار المعسكر الشرقي· إذ إن الفلسفة الإدارية والسياسية في الأنظمة الشمولية في الدول متعددة الأعراق والطوائف قد سيدت قومية على ما عداها وأولتها الإدارة والرعاية الخاصة· وترجع مآسي البلقان في الدرجة الأولى الى طبيعة النظام الحاكم في بلغراد، وعدم تفهمه لهذه المشاعر، وحساباته الاستراتيجية الخاطئة فهو لا يريد أن يدخل في أوروبا الموحدة كطرف ضعيف موزع الأوصال بعد استقلال كرواتيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك·

وفي الجانب الآخر الرغبة الأوروبية الغربية، بعدم تمكين أية دولة قوية من دول أوروبا الشرقية سابقا من الدخول الى نادي الاتحاد الأوروبي أو السوق الأوروبية المشتركة بكامل قوتها، مما يعطيها القدرة على المناورة والمشاغبة في قيادة الاتحاد الأوروبي، فالدول الأوروبية الغربية والرئيسة فيها تريد لمن يدخل هذا الاتحاد أن يكون من الدول التابعة لا القيادية في هذا التجمع الأوروبي، ولو أدى ذلك الى استخدام "الكي" تحت هذا المبرر أو ذاك· ولو أن النظام اليوغسلافي الحالي فهم منطق الأحداث لخفف من حالة التمرد على التوجه الأوروبي نحو الوحدة، وتفهم المشاعر الوطنية لحلفائه· هذا الإدراك الذي أنقذ تشيكوسلوفاكيا على سبيل المثال من الدخول في صراع بين التشيك والسلوفاك فتم الانفصال بهدوء وبأسلوب حضاري متميز أبقى على الروابط التي جمعت الشعبين وحافظ على استقلالية كل منهما مع إيجاد الفرص المستقبلية المثلى لتعاونهما·

فبلغراد تكاد تكون حرقت أوراقها مع حلفائها السابقين في دول البلقان، مما مهد الطريق أمام حلف الناتو للانفراد بها، وأعطاه الفرصة المثلى لكسر شوكتها وتحطيم بنيتها الأساسية تمهيدا لاحتوائها أوروبيا، كطرف ضعيف سلسل الانقياد كغيره من دول أوروبا الشرقية·

وهذا بطبيعة الحال لا يعفي المخطط الاستراتيجي في التحالف الغربي العسكري من أنه كان يهيئ الفرص لمثل هذه المحصلة واستغلال المشاعر الوطنية في دول وأقاليم الاتحاد اليوغسلافي السابق، فدولة مثل يوغسلافيا هي القطب الأقوى عسكريا في أوروبا بعد حلف وارسو، وكانت بلغراد تحتفظ بقدرة تسليحية مستقلة نسبيا عن حلف وارسو بينما بقيت الهيمنة الكبرى والقدرات التسليحية في منظومة حلف وارسو السابق بيد روسيا الاتحادية وكانت دول أوروبا الشرقية الأخرى في حلف وارسو مناطق نفوذ لقوة الاتحاد السوفييتي السابق (وروسيا الاتحادية على وجه التحديد) ولا تحظى أي من دول الشرق الأوروبي بقوة تسليحية فاعلة ومستقلة، وبالتالي لا تشكل منفردة أو مجتمعة قوة تذكر أمام حلف الناتو أو أوروبا الغربية بعد تفكيك حلف وارسو، عكس يوغسلافيا، لذا كان التركيز على إضعاف يوغسلافيا وتأجيج الصراعات داخلها، فالمآسي الإنسانية التي حدثت في منطقة البلقان منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 لا تتحملها بلغراد وحدها، بل دول أوروبا الغربية ضالعة كذلك، بتحريضها ودعمها لحرب الطوائف والأعراق، فدول أوروبا الغربية وجدت نفسها أمام مأزق تاريخي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتخليه عن أوروبا الشرقية ورمى العبء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لهذه الدول عن كاهله وتحويله الى أوروبا الغربية التي كانت على وشك إعلان وحدتها في منظومة ما يسمى بالسوق الأوروبية المشتركة·

إعادة ترتيب البيت الأوروبي

ومن هنا يفهم البطء أو التأخير في إعلان الوحدة الأوروبية الغربية الى ما بعد عام 2000 بعد أن كان مقررا لها عام 1990، وذلك لترتيب البيت الأوروبي من الداخل واحتواء دول شرق أوروبا في ضوء المستجدات، واستحقاقات ما سمي بالنظام العالمي الجديد·

فالدول الغربية الأضعف التي كانت مدفوعة بحكم ضعفها للسير في ركب السياسة التي ترسمها الدول الغربية الأكبر، باتت تريد أن يكون لها صوت مسموع في هذا التوجه الأوروبي الوحدوي، وذلك بعد تلاشي حالة الرعب التي كان يشكلها حلف وارسو والاتحاد السوفييتي السابق، وتغذيها وتنفخ بها الأساليب الدعائية والإعلامية الغربية والأمريكية·وبدأ السؤال الكبير ماذا عن دول أوروبا الشرقية أليس من حقها الانضواء في اتحاد شقيقاتها الأوروبيات الغربيات أم أنه اتحاد النخب (والنخبة الأوروبية)؟ ومن هنا بدأ التفكير الغربي في خلق اتحاد أوروبي مواز، أو ما يسمى بمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، بهدف احتواء أوروبا الشرقية من دون التأثير على مسيرة الاتحاد الأوروبي الغربي وإن تأجل استكمال المشروع الأخير، وكانت يوغسلافيا هي الدولة الأوروبية الأصعب في عملية الاحتواء هذه وبالتالي لا بد من التعامل معها بطرق مختلفة، ابتداء من تفتيتها الى دويلات والآن الى أقاليم عرقية هشة، فالغرب الأوروبي والأمريكي، يفهم تماما الأبعاد الإنسانية التي يمكن أن تنتج عن سياسته تلك، وتفنن في تجنيدها لخدمة سياسته غير المعلنة وتغليف تدخلاته في الشأن اليوغسلافي بغلاف الدوافع الإنسانية، وهمش دور الأمم المتحدة حتى لا تعيق مخططاته المضمرة·

كما يحصل اليوم في كوسوفو، فالاتفاق فرض على الألبان ووقعوه تحت ضغط غربي أمريكي بعيدا عن مائدة المفاوضات (في رامبوييه)، والأمم المتحدة، حتى يأتي رفض بلغراد للتوقيع مضمونا وبالتالي مبررا لاستخدام القوة ضدها الذي هدفه الأساسي إضعاف يوغسلافيا واحتوائها، لا إنقاذ ألبان كوسوفو·

سد الثغرات

فالوحدة الأوروبية المقبلة لا بد لها من تضحيات وإن أريد لها أن تتم في ظل الهيمنة الغربية لا بد من إضعاف مخلفات الكتلة الأوروبية الشرقية لتدخل في إطار الاتحاد الأوروبي المرتقب كأقاليم صغيرة أو دول ضعيفة وتابعة لا تستطيع أن تشق عصا الطاعة على الزعامة الأوروبية الغربية، وذلك لسد الثغرات أمام أي نفوذ محتمل للحليف السابق (روسيا) وكتلة دول الكومنولث الجديدة  بزعامة موسكو، فالسيطرة القوية والمحكمة لأوروبا الغربية على باقي دول أوروبا كفيل في الحد من مثل هذا الاحتمال أي دخول الحليف الروسي السابق من بوابة أوروبا الشرقية··

إن ما يثار الآن عن قنوات أو خيوط اتصال بين باريس وبلغراد، يصب أيضا في محاولات الدول الغربية الأكبر لأن يكون لها حلفاؤها المقربون من دول المعكسر الأوروبي الشرقي السابق لدعم نفوذها في مجلس الأمن والتعاون الأوروبي والاتحاد الأوروبي، وصياغة المستقبل الأوروبي والى حد كبير في حلف الناتو، وهذا ينطبق على توجهات ألمانيا الاتحادية مع محيطها الأوروبي وعلاقاتها مع كرواتيا، وهذا لا يقلل بطبيعة الحال من التفاهم والتنسيق الألماني الفرنسي في مسألة الوحدة الأوروبية وقيادة السوق الأوروبية المشتركة وهو أمر سيضعف موقف لندن في هذا التجمع الأوروبي ويقلل مستقبلا من النفوذ الأمريكي في القارة الأوروبية (إذ إن واشنطن تعتمد على النشوز البريطاني المستمر على بيت الطاعة الأوروبية)·

وتأتي محاولات الدول الأوروبية توزيع ألبان كوسوفو المسلمين علي الدول الأوروبية أو في العالم (وقبله أهالي البوسنة والهرسك) بهدف التقليل ما أمكن من وجود كثافة إسلامية موحدة في أوروبا في ظل تنامي تعاطف الإسناد والحماس الإسلامي الظاهر لمسلمي أوروبا من الجماعات الإسلامية والدول الإسلامية، وعلى النقيض من ذلك نجد أن واشنطن تحاول الإبقاء على مسلمي ألبانيا وكوسوفو في منطقة كوسوفو وألبانيا ومقدونيا، لخلق منطقة نفوذ لها هناك، وبؤرة توتر ممكن استخدامها مستقبلا ضد أية محاولات أوروبية لاستبعاد واشنطن، وتقليص دورها في القارة الأوروبية أو إضعاف دور "لندن" "شريكها المعتمد في القارة الأوروبية" وهي ورقة أجاد ويجيد استخدامها البريطانيون والأمريكيون في التاريخ الحديث والمعاصر، فهم أصحاب تجربة في لعب ورقة الطائفية والعرقية وتجنيدها لخدمة الأهداف الاستراتيجية، وهكذا تلعب واشنطن بذكاء دور المنقذ والدور الإنساني المناهض للتطهير العرقي - الطائفي، في أوروبا·· وكما حصل في البوسنة والهرسك حين بدأت واشنطن وكأنها المنقذ للمسلمين والأعراق المضهدة في البلقان، مما سيشعر هذه الفئات والى وقت ليس بالقصير بالامتنان للدور الأمريكي ويجعلها منطقة نفوذ أمريكية خاصة في القارة الأوروبية، يضعف احتمالات استبعاد واشنطن المبكر من لعب دور رئيس في الشأن الأوروبي·· وتبقى المحاذير من أن إثارة النزعات الطائفية والعنصرية وتجنيدها لخدمة الأهداف السياسية وهي أمور قابلة للاشتعال والتفاعل الخطر في ظل التنافس روسي أمريكي قد تفجر البيت الأوروبي بدلا من ترتيبه·

�����
   

جمع التبرعات والعمل الحزبي:
محمد مساعد الصالح
في ذكرى الإمام الحسين:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
"جاب لو كتب":
د.مصطفى عباس معرفي
بمناسبة اليوم العالمي للكتاب:
يحيى الربيعان
ديمقراطية المزاج!:
عامر ذياب التميمي
برميل البارود:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
منطقة الفوضى الرمادية!!:
سعاد المعجل
حرب البلقان.. محاولة للفهم(1-2):
دبي الحربي
إشراقات وتفاؤل القارئة:
أنور الرشيد
الإمام الحسين عليه السلام والصدر.. ومنهج التضليل..!:
د· بدر نادر الخضري
تضامنوا مع السيدة أناهيد:
حميد المالكي
الذكرى الحسينية:
فوزية أبل
عزيز قوم ذل...!!:
المحامي فهد البسام