المراهنون على انقشاع الغمة السياسية بحل مجلس الأمة خاب أملهم وتلاشت أمنياتهم وتبعثرت أحلامهم وما حسبوه ماء أضحى اليوم سرابا في صحراء مرض نفسياتهم، ولعلهم يتطلعون الى أزمة جديدة يمنون أنفسهم من ورائها أن تكون "چاب" هذه المرة، فيحل مجلس الأمة حسب هوى نفوسهم· لكن·· ومع كل ذلك وصلنا الى حافة اليأس من اصطلاح الأمور وغدونا أقرب للتشاؤم من انجلاء الغمة بشكل نهائي وأبعد من أن نمني النفس بقرب حل المعضلات التي تواجه البلاد والعباد· مبعث قلقنا هو هذا الإصرار العجيب من حكومتنا الرشيدة على التردد في اتخاذ القرار، ومنبت تشاؤمنا هذا التردي الواضح في شتى مجالات الحياة من دون أن تبدو بارقة أمل في الأفق على تفهم الحكومة لها والبدء الجدي بمواجهتها·· على كل مستوى من مستويات الحياة تتفاقم المشكلات، وعلى كل صعيد تنهار القيم والمثل وفي كل محفل تتردى الأوضاع، وفي أتون كل ذلك تقف الحكومة عاجزة عن فعل ما تمليها عليها واجباتها الدستورية وتأخذ دور المتفرج والمتطلع الى اشتداد حمى الأزمات، حتى الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط لم تعد كافية لحل المعضلات وحتى وضوح الصورة الأمنية على حدودنا الشمالية لم تعد كافية لإقناع المواطن بالأمن والأمان، ووصلنا الى مرحلة القناعة أنه حتى التعديل الحكومي أو التغيير الوزاري لم يعودا ينفعان في علاج الداء العضال الذي ينخر جسم مجتمعنا·

القضية ليست في نهاية المطاف تغييرا في وجوه المستوزرين، كما أنها ليست في تدوير المستوزرين الحاليين، لكن القضية في الأساس تتعلق بالنهج الذي تنتهجه وانتهجته حكوماتنا المتعاقبة في مفهوم الإدارة الحكومية·· ففي افتتاحية "القبس" يوم الأحد الماضي يركز رأي التحرير على وجود حكومة ظل معروفة ومجهولة برموزها وشخوصها، وهذه الحكومة هي التي تدير مقدرات المجتمع بما ينمي مصالحها ويحمي مكتسباتها بغض النظر عن الصالح العام، بل وفي اتجاه معاكس لمصلحة المجموع في كثير من الأحيان· نظرية حكومة الظل (إن صدق الحدس) تعني انهيار كل القيم التي آمن بها هذا المجتمع وتعني انحلالا تاما في مفهوم المواطنة نفسها وتعني بين ما تعنيه أيضا انحدارا الى حفرة ليس لها قرار· ولعل تعاقب الأزمات السياسية وارتفاع حدتها وتنامي عواقبها، لعل في ذلك كله تأييدا عمليا لنظرية حكومة الظل·

إن الحكومة الشرعية مدعوة لبحث الموضوع والتصدي بشكل حاسم وحازم لنظرية حكومة الظل وإلا فإن الأزمات السياسية والاقتصادية ستعصف بالبلاد دونما هوادة، وفي النهاية لن نجني من ورائها إلا الندم والأسى· فالوضع اليوم لم يعد يحتمل مزيدا من التدهور فقد طفح الكيل وفاضت الكأس حتى حافتها·