| لعل أرشيف الأمن القومي الأمريكي من أكثر مصادر المعلومات المثيرة السرية التي تستأثر باهتمامات وسائل الإعلام العالمية، وذلك لما يقوم به من وقت إلى آخر، بالكشف عن وثائق سياسية رسمية سرية مهمة تفجر فضائح تتورط فيها الإدارة الحالية، وإدارات سابقة أو رموز فيها· ولعل آخر جهد له في هذا الصدد الوثائق التي ما زال ينشرها تباعاً حول خفايا العلاقات الوثيقة التي كانت تربط الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين مع رموز وجهات نافذة في الإدارة الحالية كوزير الدفاع دونالد رامسفيلد·
تأسس أرشيف الأمن القومي عام 1985م بمبادرة من مجموعة من الصحافيين والطلبة والباحثين وتم الترخيص بإنشائه استناداً إلى قانون حرية الحصول على المعلومات، وهو مؤسسة تطوعية مستقلة تتبع جامعة جورج واشنطن وتمول ميزانيته بالمساهمات التبرعية·
وفي خلال عقد من تأسيسه أصبح الأرشيف بمثابة أكبر مكتبة عامة غير حكومية في العالم مختص بالوثائق غير المصنفة ويتبع آخر تقنيات الفهرسة فيما يدخله في الحاسوب الآلي من معلومات ووثائق تتاح لخدمة الطلبة الباحثين ورجال الإعلام وعامة الناس·
وحينما زرت مقر "الأرشيف" في واشنطن العاصمة في الطابق السابع من مكتبة جورج واشنطن فوجئت بتواضع مكاتب المقر ولم أكن أتوقع أن هذا المركز الذي تملأ شهرته الآفاق هو بهذه البساطة حيث أغراضه ومقتنياته مكدسة على الطاولات ومتناثرة في مختلف زوايا وممرات الغرف من كراتين وثائق وميكروفيلم وملفات وموسوعات وكتب ·· إلخ وكلها تشغل الحيز الأعظم من مساحات غرف المكاتب الصغيرة لكنها بلا شك تنبئ بأن هذا الأرشيف خلية نحل دؤوبة لا تعرف الكلل تعتمد على 20 موظفاً فقط·
وكان لي لقاء هناك مع السيدة جويس باتل مديرة المطبوعات ومحللة شؤون الشرق الأوسط بأرشيف الأمن القومي حيث حدثتني بالتفصيل عن خلفيات وظروف إنشاء المركز وما يقدمه من خدمات إعلامية ودراسية وبحثية لمختلف طالبيها فيما يتعلق بالمعلومات أو الوثائق المراد الاطلاع عليها أو الكشف عنها جزئياً أو كاملاً·
والمركز جاء تأسيسه كما ذكرنا استناداً إلى القانون الذي أقره الكونغرس عام 1966 بحق المواطنين - باعتبارهم ناخبين - في الحصول على أي معلومات يرونها ضرورية لممارسة حقهم الانتخابي لكن القانون لم تبرز أهميته ويأخذ تطبيقه الفعلي إلا عام 1973م على إثر تداعيات فضيحة ووترجيت التي زلزلت الولايات المتحدة حيث اتضح ضمن ما اتضح أن الإدارة التي تورط رئيسها (نيكسون) في الفضيحة ليست على درجة كافية من الشفافية لإطلاع المواطنين على أسرار غوصها المأساوي في المستنقع الفيتنامي الذي يذهب ضحيته مئات الأمريكيين بين حين وآخر ولذلك أدخل المزيد من التعديلات على قانون حق الحصول على المعلومات بما يضمن على نحو أكثر وضوحاً وحزماً التزام الجهات الرسمية بمنح هذا الحق، ومن ثم فإن أي جهة حكومية مجبرة الآن على تقديم أي معلومات يطلبها مواطن ولا يقبل امتناعها إلا إذا امتلكت مبررات قوية قاطعة بأن هذه المعلومات تمس الحرية الشخصية للأفراد أو الأسرار التجارية أو مصالح الأمن القومي القصوى·
ومن المعلومات أن الوثائق السياسية الرسمية السرية لايتم الكشف عنها إلا بعد مرور ربع قرن على تاريخها·
وتفتخر محدثتي بأن الولايات المتحدة كانت الرائدة في إصدار هذا القانون ثم حذت حذوها دول ديمقراطية أخرى ككندا والهند وبريطانيا وغيرها·
وحينما سألتها عما إذا يجري عرقلة ممارسة هذا الحق لم تستبعد ذلك لكنها أكدت أنه إذا لم يكن المبرر مقنعاً بإمكاننا رفع دعوى على الجهة التي تحجب الوثيقة أو المعلومة دون أسباب وجيهة، وأشارات إلى أن إدارة كلينتون السابقة كانت أكثر تعاوناً في الحصول على المعلومات بما في ذلك المعلومات الخاصة بالطاقة والتلوث·
والحال أن حق الحصول على المعلومات هو الرديف الأساسي لحق ممارسة حرية التعبير، فلا معنى لحرية تعبير حول أي قضية في ظل مصادرة حق المواطن في الحصول على المعلومات المتعلقة بها، ولا قيمة للمعلومات في ظل غياب حرية التعبير·
ولاشك أن هذا القانون ومركز أرشيف الأمن القومي الذي يستند في تأسيسه إليه ليحق للولايات المتحدة الافتخار بهما باعتبارهما علامة مضيئة من علامات وجه نظامها الديمقراطي أيا يكن اختلافنا مع سياساتها الخارجية· |
