| منذ عقد ونيف، وتحديدا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته "الاشتراكية" وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على النظام الدولي الجديد كقطب وحيد تقريبا وما صاحب ذلك من تنامي وانتشار القيم والمبادىء الليبرالية في العالم الثالث لتحل محل الأفكار والقيم الشعبوية الشمولية·· من ذاك وحركة المنتديات والندوات والمؤتمرات المطالبة بالمشاريع الإصلاحية القائمة على هذه الأسس والمبادىء لم تنقطع، فقد دُبجت عشرات البيانات والمواثيق التي تطالب أو تؤكد هذه القيم والإصلاحات، بينما استجابة الدول العربية لهذه المشاريع والمطالبات مازالت معدومة أو بطيئة أو محدودة في أحسن الأحوال·
ومع تزايد الضغوط الأمريكية والأوروبية، ومن ضمنها تنامي دور وضغوط منظمات حقوق الإنسان العالمية، كثرت الخطب والبيانات والتصريحات الرسمية العربية التي تعلن عدم معارضتها للإصلاح مادامت تلتقي وخصوصياتنا "الوطنية" أو "القومية" أو "الإسلامية" وعبر بعضها الآخر عن العزم على إطلاق مشاريع جديدة أو تطوير ما هو قائم منها·
وفي هذا السياق ذاته دب النشاط خلال السنوات الثلاث الماضية بالترافق مع الضغوط الأمريكية بعد أحداث سبتمبر، على نحو أعظم في حركة عقد المنتديات والندوات والبحوث المطالبة بهذه المشاريع الإصلاحية سواء على الصعيد الوطني أم على الصعيد القومي·
والجديد اللافت في هذا النشاط الذي دبّ خلال هذه الفترة هو استضافة حكومات عربية - ومن ضمنها خليجية - لبعض هذه المنتديات والمؤتمرات ورعايتها لها، بل إلقاؤها كلمات فيها تتناغم "مبدئيا" أو تعلن تجاوبها على نحو عمومي مع ما تسعى إليه تلك المؤتمرات للخروج بمقترحات أو تصورات عن الإصلاحات المنشودة من قبل شعوبها (مؤتمرا الدوحة والإسكندرية خلال الشهرين الجاري والماضي على سبيل المثال لا الحصر)·
لا بل إن إحدى الدول الخليجية انفردت فيما بين شقيقاتها بإبداء حماس منقطع النظير في التجاوب مع المشروع الأمريكي "الشرق الأوسط الكبير" وبخاصة ما يتعلق منه بالإصلاح السياسي وذلك من أجل "دور أكبر للمواطن العربي الذي يستطيع من خلال المشاركة في صنع القرار أن يساعد بلدانه على تفادي التهديدات الخارجية" أو ما مؤداه من أجل سحب البساط من تحت أقدام كل المتلكئين عن الإقدام على الإصلاحات أو منظري ذرائع تأجيلها أو تحجيمها إلى أدنى حد·
إلا أن حصاد الشعوب من التطبيق الفعلي لهذه المنتديات والمؤتمرات والبحوث مازال كما ذكرنا إما معدوما وإما شحيحا·· فما هي العلة في ذلك؟ بتعبير آخر ما الحائل الذي يحول دون أن تأخذ هذه البيانات والمشاريع المقترحة الجميلة الصادرة عن تلك المنتديات والمؤتمرات والحلقات الدراسية والبحوث وخلافها طريقها إلى التطبيق العملي أو شيء منه على الأقل؟
وإذا كان قد مضى نحو عقد ونصف العقد ونحن نكرر ونجتر هذه المشاريع والقيم فما هي صورة العرب دولا ومجتمعات مدنية أمام المجتمع الدولي، وهل يستمرون في اجترارها لعقد جديد آخر أو أكثر؟
وهل تستطيع الدول العربية أن تقنع العالم، دع عنك شعوبها، بجديتها في انتهاج المشاريع الإصلاحية عبر الاكتفاء فقط بالتصريحات العمومية المرحبة بها أو عبر استضافة المؤتمرات التي تنادي بها؟
من الواضح جيدا أن العلة إنما تكمن في غياب الإرادة السياسية الحقة الجادة نحو المضي قدما دون تلكؤ في هذه المشاريع الإصلاحية رغم أنها صيغت من الداخل لا الخارج، وماذلك إلا أحد وجهي العملة الأساسيين، أما الوجه الآخر لها فيكمن في الأزمة المحتدمة المزمنة المتفاوتة الأشكال والأحجام التي تعاني منها كل الحركات السياسية العربية وهي الأزمة التي أفضت ضمن ما أفضت إلى العجز عن فرض مشاريعها الإصلاحية على حكوماتها استنادا إلى أوسع التفاف وحشد شعبي ممكن من "الموزاييك" السياسي والفئوي والديني المعبر عنه هذا الحشد، وهو ما تستفيد منه الحكومات بدورها في تلكئها· |
