إلى جانب الكثير من الخطوات الإيجابية على صعيد ما أصبح يعرف بذوبان الجليد بين العراق والكويت والتي بدأت قبل سقوط النظام الصدامي، تأتي المباراة الودية بين المنتخبين الأولمبيين العراقي والكويتي على استاد نادي الصداقة والسلام في الكويت مساء يوم الأربعاء 14 نيسان 2004 لتضع البلدين والشعبين أمام مستجد جديد وميدان آخر من النشاط المشترك بقي مغيّبا منذ 2 أغسطس 1990 يوم الغزو الغاشم لدولة الكويت·
الرياضة أصلحت
ما أفسدته السياسة
هناك كلام مأثور للأخ الشاعر عبد العزيز البابطين يردده باستمرار يقول: "إن الثقافة تصلح ما تفسده السياسة" وأنا أقول: "الرياضة أصلحت ما أفسدته السياسة" حيث تأتي مسرحية "ذوبان الجليد" التي كانت افتتاحية ثقافية مباركة للجهود التي سعت وتسعى لإعادة العلاقات بين البلدين والشعبين الصديقين إلى أفضل مما كانت عليه في أي عهد من العهود الماضية، وقد تميّزت المباراة المذكورة بما يلي:
1 - المباراة بدأت وانتهت بروح رياضية وأخوية راقية سادت بين أعضاء الفريقين إذ لم تحدث أي مشادّة بين اللاعبين أو اعتراض على تصرف غير إرادي أو خطأ ما كان طبيعيا أن يحدث في ظل حماس اللاعبين واندفاعهم لتحقيق الفوز كما نشهده في مباريات كرة القدم وغيرها بل إن الود والوئام والاحترام والتآخي بين لاعبي الفريقين انعكس وبشكل فوري وإيجابي على الجمهور الذي حضر المباريات وعلى مسؤولي الفريقين من قياديين وإداريين وغيرهم وأسقط في ذات الوقت رهانات البعض الذين لا يسعدهم عودة العلاقات الطبيعية والأخوية بين البلدين·
2 - حيادية التغطية الإعلامية وكان المعلق الرياضي يشيد بالأفعال الإيجابية للاعبين من كلا الفريقين وإشادته بخط الدفاع العراقي على سبيل المثال لا الحصر·
3 - نزاهة الفريق العراقي وإصراره على خوض المباريات بالرغم من المعارك العسكرية الدائرة في العراق وخطورة الطريق ومشقته بين بغداد والكويت والإرهاق الشديد الجسدي والنفسي الذي كان يعانيه أعضاء الفريق وقد دلّل ذلك وبشكل قاطع على حب الرياضيين العراقيين لبلدهم وإعلاء شأنه وضرورة حضوره الفاعل في المحافل الإقليمية والدولية وعلى احترام وأداء الاستحقاقات المترتبة على عضويتهم في الاتحادات الرياضية·
5 - فوز الفريق الكويتي جاء بعد تسلم المدرب الوطني الكويتي محمد إبراهيم مسؤولية تدريب الفريق مما يدل على أن أبناء البلد أحرص وأكفأ من المدربين الأجانب على بلادهم·
6 - رعاية الصحافة الرياضية والإعلام الرياضي عموما والاهتمام بالمحللين والنقاد الرياضيين ومنشآت وأدوات وأجهزة الرياضة وتوفير أفضل وأحدث مبتكرات الصناعات الرياضية·
الآفاق
1 - ضرورة تبادل الزيارات لرياضيي البلدين من أجل إثراء الخبرات والمهارات وإقامة أسابيع رياضية في كلا البلدين وتنشيط المباريات بين الفرق الطلابية والشبابية والنوادي وعدم اقتصارها على فرق المنتخبات الأولمبية·
2 - الاتفاق على برنامج للتعاون المشترك·
3 - الاهتمام بالرياضات النسائية وخصوصا المدارس ووضع خطة دائمة ومستمرة لتبادل الوفود وعقد الندوات وإجراء المباريات·
4 - ضرورة استثمار النتائج التي أفرزتها المباراة الأخيرة بين منتخبي البلدين وتطويرها باتجاه المزيد من اللقاءات الأخوية لأن تأثير الرياضة على المجالات والأنشطة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتنموية كبير جدا وسريع جدا لما تحظى به الرياضة من شعبية واسعة تشمل جميع الطبقات والفئات والفعاليات·
5 - الاهتمام الكبير بالدروس والفنون الرياضية في الكتب والمناهج الدراسية والتربية والتعليم وإيلاء الجانب العملي التطبيقي الاهتمام الأكبر ومواكبة كل جديد في هذا المجال وتأهيل الكوادر التعليمية بأحدث الوسائل·
الرياضة والفلسفة
وفي هذا المجال كتب أحد الفلاسفة ما يلي: "إن تطور الإنسان المتكامل والمتناسق يفترض الجمع بين الطهر الأخلاقي والخصال الخلقية الرفيعة والكمال الجسدي المنسق" فمن الضروري الجمع بين الدراسة والبحث والعمل وبين مختلف ألوان الرياضة واستكمال الاهتمامات الروحية بمزاولة التمارين الرياضية والسياحة والنزهات وغيرها ثم إن الغنى الروحي والتصرفات النبيلة لدى الإنسان الجديد يجب أن تترافق بمظهره الخارجي ولكن هذا لا يعني أنه سيكون كل الناس على قدر خيالي من الجمال ولكنهم سيكونون جميعا أناسا أقوياء الصحة وشديدي المراس وكاملي الرجولة أو الأنوثة ومهما تكن حياة الإنسان غنية المضمون ونقية أخلاقيا فإنها من دون تطور جسدي حقيقي ستكون خالية من مباهج كثيرة·
ويشكل العمل الجسدي والرياضة أداة بالغة الأهمية للمحافظة على صحة الإنسان وتوطيدها ثم إن مزاولة الرياضة وتقوية الصحة تساعد في الوقت ذاته على العمل المثمر وفي المشاركة الكاملة عند الضرورة، والإنسان المتطور بدنيا يستطيع امتلاك ناصية المهنة المعنية بأسرع وأحسن من غيره وتكون جودة العمل وإنتاجيته أعلى من الإنسان البعيد عن الرياضة، وتساعد الرياضة ليس فقط على اكتساب الكثير من الخصال اللازمة في الحياة: الجرأة والتحمل والعزم، وسرعة الخاطر ففي التدريبات الرياضية تتكون أيضا الأذواق الجمالية، ويحصل المرء على الرشاقة والمرونة واللياقة في حركاته، وفي الرحلات السياحية يتعمق شعور الأخوّة ويعلو شأن الجماعة وبعد الاستراحة الطيبة في الهواء الطلق يعمل الإنسان على نحو أحسن ويعيش بصورة أفضل، والجمع الرشيد بين الرياضة والأشغال الأخرى يكون مصدرا مهما لنمو الشخصية البدني والروحي على السواء·
hamid@taleea.com |