تفجير الرياض ومعركة جدة في الأسبوع الماضي وغيرهما من الأحداث التي وقعت في المملكة العربية السعودية في الأشهر الماضية تدل على عمق الأزمة التي يمر بها المجتمع السعودي وعلى الخناق الذي بات يفرض على المتطرفين الدينيين، وقد انتقلت المعركة في الأسبوع الماضي إلى أفق جديد حينما قام المتطرفون الإسلاميون بمهاجمة هدف غير أجنبي يتمثل في المبنى السابق للمخابرات السعودية، بعد أن كانوا يستهدفون قبلاً الأهداف المرتبطة بالتواجد الغربي وبالذات الأمريكي على أرض المملكة، وهذا معناه أن هؤلاء قد نقلوا معركتهم إلى معركة ضد النظام القائم في المملكة ليظهروا نواياهم الحقيقية وهي أن أعمالهم تستهدف بالأساس الاستيلاء على السلطة·
ولعل بروز الحركة الدينية المعارضة في المملكة له خصوصية تختلف قليلاً عن بزوغ الحركات الدينية المعارضة في الأقطار الإسلامية الأخرى، فالمؤسسة الدينية كانت جزءاً أساسياً من مشروع الدولة السعودية منذ قيامها في أواسط القرن الثامن عشر، فتحالف آل سعود وآل الشيخ قد أدى إلي صبغ التجربة السعودية بصبغة دينية قوية، وفي أواسط القرن العشرين تأثرت بعض العناصر في المؤسسة الدينية الرسمية بأفكار الأحزاب الإسلامية الحديثة وبالأخص حزب الإخوان المسلمين، وهذا الحزب وجد كل رعاية على أرض المملكة - كما صرح الأمير نايف في مقابلته المشهورة - خاصة وأن الظروف كانت تخدمه، فالصراع بين المملكة وعبد الناصر ثم مع جميع الأنظمة الجمهورية الناشئة التي قامت في ستينات القرن الماضي كانت من الدوافع إلى احتضان المملكة للحركات الدينية وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وفي السبعينات، ساهمت المملكة العربية السعودية وبشكل فاعل مع بقية الدول الخليجية ومصر في دعم الجهاد الأفغاني ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان، وانخرط الآلاف من شباب المنطقة وبعلم حكوماتهم في العمليات العسكرية والتدريب على السلاح في مناطق أفغانستان المفتوحة أو على حدود باكستان، لكن هذا الدعم والتحالف لم يكن دائما طريقاً ذا اتجاه واحد، إذ إن القوى الاجتماعية المؤمنة بالخطاب الديني تختلف من حيث الفهم والمصالح والأهداف الاستراتيجية، لذا رأينا قيام حركة جهيمان في العام 1979 في الحرم المكي، وتحركات في المنطقة الشرقية بعد الثورة الإيرانية·
على أن العامل المستقر في سياسة المملكة العربية السعودية الداخلية بل وربما في سياسة غالبية الأنظمة العربية والإسلامية هو عدم معالجة أسباب التطرف الإسلامي معالجة فكرية بل قصرها على المعالجة الأمنية، مما يؤدي باستمرار إلى بروزها ثانية في ظل عوامل كثيرة لعل أبرزها الغطرسة الإسرائيلية وضربها عرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية يساعدها وقوف الولايات المتحدة الأمريكية من ورائها بشكل مطلق، أضف إلى هذا أن الخطاب الديني هو الوسيلة الوحيدة في هذه الدولة للاحتجاج على ممارسات الحكومات العربية، التي كممت أفواه جميع القوى المتنورة منذ عهد بعيد·
إذن، إذا كانت الأنظمة العربية تريد التخفيف من غلواء التطرف الديني فما عليها إلا أن تفتح حواراً وطنياً لمناقشة فكر هؤلاء مناقشة صريحة ثم فتح المجال لجميع التوجهات الفكرية والسياسية كي تنشط وتعبر عن نفسها في ظل الانفتاح العالمي وتشابك المصالح ودخول شبكة الإنترنت إلى كل بيت!!
alyusefi@taleea.com |