| بالرغم من ما أتاحه مناخ الانفراج السياسي منذ انطلاقة المشروع الإصلاحي لملك البحرين من فرصة لتشكيل الجمعيات السياسية والمنظمات النقابية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني - وقد تشكل بالفعل الكثير من هذه الجمعيات والمؤسسات - إلا أن ثمة جهتين، فئتين مهمتين، ذواتي وزن فاعل ومؤثر على الساحة السياسية لم تستفيدا من هذا المناخ من التعددية وظلتا عاجزتين عن إيجاد الإطار التنظيمي المعبر عن مصالح وآراء كل منهما بالرغم من أنهما في أمس الحاجة الملحة إليه:
الجهة الأولى هي الطبقة التجارية العريضة والتي تلعب دورا محوريا مهما في اقتصاد البلاد، بل في التأثير على سياسات حكومته، والجهة الثانية هي الحكومة نفسها·
وقد برز هذا الإحساس بفراغ هذا الغياب البين بعد استئناف الحياة البرلمانية وبخاصة خلال الدور الأخير وكذلك على إثر انتعاش حركة الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وبروز الدور المنظم المتفاوت الحجم الذي أخذت تلعبة كل منها في المجتمع وهو دور ظل كما هو معروف محاصرا أو مغيبا على امتداد ربع قرن ونيف منذ حل البرلمان السابق·
ويمكن القول إن ساحة البرلمان - وعلى وجه الخصوص مجلس النواب - هي أكثر الساحات التي أشعرت هاتين الجهتين (الحكومة والتجار) بهذا الغياب وذلك على ضوء ما أخذت تسهم به هذه الساحة من دور في صناعة القرارات السياسية المهمة، ومناقشة القضايا والتشريعات الحيوية التي تمس حقوق ومصالح مختلف شرائح وفئات الناس سلبا أم إيجابا مثلما هي تمس مصالح وسياسات الحكومة إما بوصفها قطاعا عاما يعبر كما هو مفترض عن مصالح أوسع شرائح وفئات المجتمع - ولاسيما الوسطى والمتدنية - وإما لكونها تمس مصالح وامتيازات أوساط وشخصيات نافذة في الحكومة نفسها·
ومن المفارقات اللافتة للنظر أن هاتين الجهتين - الحكومة والتجار - وبالرغم من حاجة كل منهما الملحة لإطار تنظيمي يعبر عن مصالحهما وسياساتهما الخاصة إلا أن مصالح كلتيهما معا شديدة التداخل والتشابك والترابط، وذلك ليس لأن فلسفة الاقتصاد البحريني تقوم على الاقتصاد الحر وتسييد القطاع الخاص فحسب بل لأنه ليس هنالك حدود تشريعية ورقابية واضحة وصارمة للفصل بين امتهان العمل الرسمي الحكومي والعمل التجاري على خلاف ما هو سائد في عدد من الأقطار العربية فضلا عن معظم الدول الغربية الديمقراطية إن لم يكن كلها· ذلك بأنك كثيرا ما تجد وزراء ومسؤولين كبارا يزاولون مهنة التجارة في الباطن أو بأشكال مختلفة، كما أنك كثيرا ما تجد تجارا يتم توزيرهم بين فترة أو أخرى عند أي سانحة تشكيل وزاري جديد كامل أو محدود·
لكن هل يمكن استنادا الى كل هذه المصالح الشديدة التداخل والتشابك أن يكون لهاتين الجهتين إطارهما التنظيمي السياسي أو التكتل النيابي المشترك المعبر عن مصالحهما معا؟
بالتأكيد كلا، فلا الحكومة تستطيع في مطلق الأحوال أن تعبر عن مصالح التجار بمختلف فئاتهم ولا حتى عن الشريحة العليا منهم، ولا التجار يستطيعون في مطلق الأحوال أن يعبروا عن سياسات ومصالح الدولة، الحكومة من حيث هي تتحمل مسؤوليات وطنية عليا·
تتصل بحقوق وحاجيات المجتمع والشعب بأسره على اختلاف انتماءاته السياسية والدينية والاجتماعية·
إن الظروف والأوضاع الجديدة والمستجدة على الساحة البحرينية في ظل المشروع الإصلاحي للملك ومع الشروع في إعادة تنظيم كل القوى الحية في المجتمع وتحديد أشكال علاقاتها وأدوارها، كل ذلك يفرض موضوعيا أن يكون لكل من هاتين الجهتين شيء من التكتل أو التنظيم أو الإطار السياسي أو شبه السياسي المعبر عن سياساتهما ومصالحهما سواء في الحياة النيابية أم في المجتمع عامة·
ü كاتب بحريني |
