أنيتا توكر 59 عاما، ترفض الاعتراف بأن الستارة قد هبطت أخيرا على مسرح حياة استعمارية مارستها على شاطىء غزة هي المولودة في لندن، والتي نشأت في بروكلين إحدى ضواحي نيويورك، ثم جاءت الى فلسطين المحتلة، وإلى مستعمرة غوش قطيف في غزة لتقيم لها تجارة زراعية تصدر منتجاتها الى لندن منذ 29 عاما·
صحيفة التايمز اللندنية أطلقت على هذه المرأة اسم المخبولة أنيتا، وهي مخبولة ليس لأنها لا تعي أنها تستغل وتستثمر أراضي أناس آخرين، وتقيم تجارتها ورخاءها على حساب شقائهم وحرمانهم من أرضهم فقط، بل لأنها لاتراهم إطلاقا، فهم غائبون عن المشهد أمامها، مشهد وعيها، الى درجة أنها مازالت تصر على مواصلة زراعة الكرفس الذي تنتجه في الدفيئة الزراعية بينما تهبط ستارة المسرحية، ويجمع سكان المستعمرات أسلحتهم استعدادا للرحيل، قائلة لمراسل الصحيفة "واثقة أنها تعرف أن لابد من حدوث شيء يمنع هذا الإخلاء، اللاأخلاقي"·
لا نعرف بالطبع أية أخلاق تتحدث عنها هذه المستعمرة·
فكل عقلاء بني الإنسان يعرفون أن استيلاءها على أراضي الغير هو العمل اللا أخلاقي، أما أن يكون إجبار اللص على ترك غنيمته عملا لا أخلاقيا، فليس هذا إلا طرفة تضاف الى طرائف نوع من الإرهابيين الذين يبلغ بهم الخبل حد أن يقلبوا القيم ومعايير الأخلاق بهذه الوقاحة المتناهية·
الوقاحة لم تنتهِ بعد، فقد سر هذه المخبولة أن جيشها الحامي سرّب إليها بضع مئات من الصبية احتشدوا حولها قادمين من مستعمرات الضفة الغربية، فأقاموا الخيام وأشعلوا النيران، ورقصوا رافعين أعلاما برتقالية اللون، وفي أيديهم زجاجات عصير برتقال، احتجاجا على الإخلاء! البرتقال!! ألا يعرف هؤلاء أنهم ينتحلون هذا الرمز الفلسطيني المميز الذي عرفت به فلسطين، رغم كل خضراواتهم ونباتاتهم الغريبة، وأنها أرض البرتقال قبل أن تكون أرض أي ثمار أخرى؟!
لم تنشر الصحيفة صورة مخبولة بروكلين، وإن نشرت صورة أحدهم يجمع أسلحة هذه العصابة التي استغلت الأرض الفلسطينية طيلة 30 سنة، ولكن من المؤكد في ضوء هذه المعتقدات المقلوبة، أنها وضعت في صالونها حجر رحى فلسطينية، وخزنت ثيابا فلسطينية مطرزة، وكانت تعرضها أمام زوارها بوصفها من تراث "شعبها" كما فعل الكثير من هؤلاء المنتحلين في عدة مناسبات وقصص واستطلاعات صحافية·
ها هو الستار إذاً يهبط على هذه المسرحية، وعلى هذه الأقنعة المنتحلة، لأن الفلسطيني الذي غيبوه عن مشهدهم ووعيهم، لم يكن غائبا في الحقيقة، ولا كان الحاضر الغائب كما يزعمون، بل ظل حاضرا، وسيبقى حتى انتهاء كل مسرحياتهم في أرجاء الأرض الفلسطينية· |