حين تُذكر كلمة "الإرهاب" تتبادر الى الذهن صورة عملية تفجير مبنى أو سيارة أو قطار، في الآونة الأخيرة بدأ التقاط بلا تركيز لما يسمى "الإرهاب الفكري"، الذي لا صورة له ترسخه في الذهن، أو تجعله ماثلا كما هو ماثل مشهد الضحايا من البشر، وستمضي سنوات أكثر ليبدأ التقاط نوع الإرهاب الذي تمارسه أجهزة إعلامية شهيرة، وبخاصة الفضائيات، رغم أنه من الأنواع التي تبحث بحثا جادا في وسائط الإعلام الغربية، وأطلق عليه بعضهم أسماء خاصة لافتة للنظر، مثل العنف الرمزي، أو إرهاب العلامات·
بالطبع عُرف هذا النوع الأخير في الماضي، والبعيد منه، فقد اتخذ اسم "الطوطم" الذي يشير الى اسم ما أحيانا، أو الى تمثيل له من حجر أو خشب، يمنع لمسه أو الاقتراب منه أو حتى ذكر اسمه، وما زال الشيطان في الثقافة الإسلامية مما لا يجب ذكره إلا تلميحا· فهو "اللي ما يتسماش" أو هو "البعيد" إلخ، إما رهبة منه وخشية، أو ربما منعا لحضوره أو تجسيده الذي يرتبط بذكر اسمه في عقول السذج من الناس·
وأشهر العلامات الرمزية ما يقال عنه استعارة "البقرة المقدسة" فكل شيء تحيطه قداسة لا معنى لها، أو أفكار مسبقة تمنع مقاربته أو مجادلته أو وضعه موضع تساؤل، أو نقده، هو "بقرة مقدسة" ولهذا يتباهى بعض المفكرين بأنهم لا يوفرون "بقرة" ولا "خروفا" فكلها كائنات لا قداسة لها، ويفضلون ذبحها وتخليص الناس من الإرهاب الذي تفرضه فكرة قداستها على الأذهان والعقول بل على الأقدام والأيدي، والأصابع أيضا·
على أن العنف الرمزي الذي يمارسه "الطوطم" أو تمارسه "البقرة" ليس عنفا صادرا عن أي واحد منهما مباشرة، بل هما أداتان للتخويف والإرهاب تستخدمهما أجهزة إعلام، ويستخدمهما أصحاب منظمات أو جماعات، وبهما تتم مصادرة كل نأمة وكل حركة وكل كلمة، وكل سؤال، وبهما تتم إشاعة أخلاقيات التسليم والخضوع لكل ما هو غير معقول وغير طبيعي، فما هو المعقول في "طوطم" أو "بقرة"؟ أو ما هو الطبيعي في أسماء ومسميات سماها هذا وذاك؟ قد يرضى الناس "إرهاب" و"تخويف" علامة المرور الحمراء فلا يطوف أحد بسيارته أمامها، فهي موضوعة لسبب معقول وطبيعي، أما هذه العلامات الحمراء التي يعلقها كل من هب ودب في طرقات تفكير الناس وسلوكهم فلا عقل وراءها ولا طبيعة· |