في حلقات عدة، أي على مدار أكثر من ساعة كل أسبوع عرضت قناة الجزيرة فيلما وثائقيا، تحليلا، كاشفا، لما أصبح يعرف الآن على صعيد الإعلام الأمريكي باسم "الحرب على الإرهاب"، وعلى ما أصبح يعرف على لسان الجماعات الإسلامية التي تتبنى العنف باسم "الجهاد"·، قلت إنه وثائقي، لأنه يأتي بأناس شاركوا في صناعة مسار هذا الفيلم منذ الثمانينات، بل وقبلها، بالتفكير والعمل، بدءا من عهد الرئيس الأمريكي ريغان، ووصولا الى كلينتون فبوش على المستوى الأمريكي، وبدءا من عهد الرئيس المصري جمال عبدالناصر مرورا بالسادات ووصولا الى الرئيس مبارك على المستوى العربي، بدأ التوثيق بالحرب في أفغانستان، والكيفية التي صنعت بها المخابرات المركزية وهم انتصار عصابات المسلحين على الاتحاد السوفييتي، ومن ثم استمدوا منه أسطورة أكبر في التوجه لتغيير خريطة العالم، من دون أن يدركوا أن تضخيمهم، واختراع شبكة عالمية وتنظيم لهم لم يكن إلا فبركة مخابراتية، وحتى اسم "القاعدة" ذاته لم يخرج إلا من مكاتب الاستخبارات لا من أرض الواقع كما يقول المسلسل وشهوده· وقلت إنه تحليل، وأعني بهذا، أنه تضمن سلسلة من محاولات التفسير والتأويل، لا أدري من وراءها، لكن في إحدى الحلقات بدأت الصور والتعليقات تعرض معلومات وردت في مقال نشرته مجلة "المحافظ الأمريكي" في 11 أكتوبر 2004 (يستطيع القارئ قراءته على الصفحة 15 من عدد "الطليعة" الذي بين يديه)·
وقادني هذا الى الظن بل والتيقن من أن حلقات المسلسل تعبر عن استقصاء وتحرك قطاع أمريكي مهم يعارض ما يسمى توجهات "المحافظين الجدد"، أي من قلب النظام الأمريكي ذاته·
وهنا جاء الكشف، أو أهمية هذا الكشف الذي جاء به هذا المسلسل بعنوانه الأصلي المميز "سلطة الكوابيس"، والذي ترجمته قناة الجزيرة الى "سلطان الخوف" فكيف تخلقت هذه الكوابيس؟ تخلقت مع شهادات موثقة في عقول أصحاب سلطة بل وسلطات، ونشرت على نطاق واسع، ففي ظل هذه الكوابيس ومادتها نشر الرعب والخوف في النفوس من خطر وهمي مختلق، مع استخدام مسيطر عليه لهذه الجماعات المستعدة والمتلهفة لمن يخرجها من العتمة الى الشاشات ولو على خازوق· لقد أظهرت لقطات المسلسل جزءا من جبل الجليد السياسي الغاطس، وحتى التعليق الذي ظل يلح على فكرة تضخيم الإرهاب، وتغذية صورته المتضخمة بكل الوسائل، بالخداع والتضليل، وزج الأبرياء في السجون، وتلفيق التهم، لم يستطع أن يربط حلقات السلسلة التي نشرها بين "إسلاميين" أحدثوا تخريبا واسعا في عالمهم العربي والإسلامي، وبين هجوم أمريكي واسع امتد من أفغانستان الى آسيا الوسطى وصولا الى المغرب العربي، وظلت العلاقة غامضة غير واضحة، ولكن··· هناك شيء برز من هذا المسلسل، شيء جدير بالانتباه يتحدث عنه أمريكيون محافظون وليبراليون يعتقدون أن وراء الأكمة ما وراءها··· بالتعبير العربي الفصيح··· أي لا تصدقوا كل ما يقال··· في أعلى المستويات· |