رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9-15 ربيع الأول 1420هـ - 23-29 يونيو 1999
العدد 1382

حسابات التطور!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

هل يمكن أن نجرد حساب التطور في العالم العربي خلال القرن العشرين ومن ثم ندعي أننا قد حققنا إنجازات هائلة في مختلف حقول الاقتصاد والعلم والثقافة؟ لا بد من الإقرار بأن بدايات هذا القرن قد شهدت حركة تنوير مهمة في عدد من الدول العربية المشرقية مثل مصر ولبنان وسوريا والعراق أدت الى انتعاش التعليم والمعرفة وحركة التطور الاقتصادي·· ولا شك أن رجال مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي وغيرهم في مصر ودول عربية أخرى قد أوجدوا مناخا مهما في عملية التثقيف والمعرفة·· كذلك فإن أمثال قاسم أمين ومصطفى كامل وسعد زغلول قد ساهموا في تأصيل التطور السياسي، وتحرير المرأة العربية وإقامة أنظمة دستورية·· ولقد شهدت مصر في العقود الأربعة التي سبقت ثورة 23 يوليو  عام 1952 تطورات سياسية مهمة على صعيد التكوين الفكري والتنظيمي·· كما أن إقامة الجامعات في مصر قد ساهمت في خلق بيئة سياسية وفكرية مهمة ما زالت بصماتها واضحة في مختلف البلدان العربية·

لكن هذه التطورات أصيبت بنكسة مهمة بعد عام 1948 عندما أعلنت دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وما تلا ذلك من صراع عربي - إسرائيلي استنفد إمكانات مالية وبشرية·· وقد أدت تلك التطورات السلبية الى تعطيل حركة التطور الطبيعية في المجتمعات العربية، خصوصا أن تدخل العسكر في السياسة واستيلاءهم على أنظمة الحكم في أكثر من بلد عربي·· وهذا التدخل أدى الى توقف حركة التطور باتجاه الديمقراطية ونشوء أنظمة شمولية عطلت حركة الفكر العربي ومن ثم خضوع الثقافة للتوجهات السياسية المتسيدة في بلدان عربية مهمة·· كذلك فإن الأحزاب السياسية علي مختلف توجهاتها، قد أصبحت هي الأخرى شمولية المنهج·

ولقد أصبح هم هذه الأحزاب ليس تطوير العمل الديمقراطي بقدر ما هو الاستيلاء على السلطة وتغييب الأطراف الأخرى التي تختلف عنها في المنهج والرؤيا·

ولا ريب أن هذه التفاعلات السياسية قد دفعت المثقفين العرب لتبني رؤى فكرية غير ديمقراطية بعيدة عن التسامح والتفهم·· وهكذا أصبح هم هؤلاء المثقفين محاربة بعضهم بعضا من دون التفكير بأهمية الجدل الديمقراطي لتطوير بيئة ثقافية نشطة وفعالة·· وقد أدت هذه الأوضاع والأحوال الى خضوع الفكر العربي لهيمنة الساسة، الذين سخروا العديد من المثقفين لتبني مواقفهم السياسية والدفاع عنها، بالحصر والباطل·· ولم يعد الأمر، كما أراد أحد المفكرين العرب، هو تجسيد الفجوة بين الساسة والمثقفين بقدر ما هو ربط المثقف بمصالح السياسيين·· وغني عن البيان أن نذكر بأن الثقافة في ظل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية لا يمكن أن تكون أصيلة ومتوافقة مع متطلبات الشعوب ومصالحها· هناك عدد من المثقفين الذين تمردوا على السياسيين وأنظمتهم إلا أن مصيرهم كان مأساويا، وفي أحسن الأحوال اضطروا للرحيل عن بلادهم من دون أن يتمكنوا من العودة·

وقد يقول قائل إن هذه التطورات السياسية، ورغم أهميتها، لم تكن العناصر الوحيدة التي أدت الى سكون الحال في العالم العربي، بل إن هناك عوامل بنيوية تتمثل بمنظومة القيم التي مازالت راسخة منذ قرون عديدة والتي تحول دون الانفتاح والاستفادة من الحضارة الإنسانية· قد يكون ذلك صحيحا، إلا أن هذه العوامل ليست غير قابلة للتواؤم مع مجريات العصر الحديث، حيث إن مجتمعات أخرى قد عانت أيضا من إرثها الثقافي والحضاري ولكنها استطاعت أن تطوع حياتها لمقتضيات العصر واستحقاقات التطور·

وبتقديري إن التعامل السياسي الخلاق مع عوامل التراث والحضارة لا بد أن ينتج عنه انفتاح وتفاعل إيجابي يدفع باتجاه العصرنة والفكر العقلاني·· ولا بد أن يكون لغياب الديمقراطية عن المجتمعات العربية دور مهم في جعلها الأكثر تخلفا في المحيط الإنساني الواسع·· وسوف تظل هذه الأوضاع العربية راكدة ما لم تتخذ خطوات مهمة باتجاه الديمقراطية والتعددية···

وإذا كان من يعتقد أن هناك بدائل أكثر جدوى من الديمقراطية لتطوير المجتمعات الغربية فإننا سوف ندفع ثمن التخلف لسنوات طويلة خلال القرن المقبل·· نعم هناك اختناقات عديدة في دول عربية، وهناك ما يشبه تصلب الشرايين في عدد من هذه البلدان يحول دون تطورها الديمقراطي، لكن هل ستظل الشعوب العربية خانعة وغير راغبة في تحسين أحوالها السياسية؟ هناك من العوامل الاقتصادية والمعيشية التي تجعل إمكانات تطور الحركة السياسية أمرا صعبا، لكن ذلك قد يؤدي الى أزمات كبرى تدفع نحو التطرف والدوغمائية الفكرية·· أن الخوف، في هذه الأحوال، من إن تتحول المجتمعات العربية الى جزيرة من الشمولية والديكتاتورية في عالم ديمقراطي، بعد أن قطعت الكثير من الدول النامية، بما فيها دول من أفريقيا جنوب الصحراء، شوطا طويلا من عملية التحول نحو الديمقراطية بكل أبعادها· لكن، ربما يكون سلاحنا هو أن نتفاءل بإمكانات التطور وإن كانت بطيئة!

�����
   

مزيداً من الحرية والأمان:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
ديمقراطية حسب المقاس:
د.مصطفى عباس معرفي
رسالة إلى الناخب(4):
يحيى الربيعان
حسابات التطور!:
عامر ذياب التميمي
كوكاكولا:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
القوي الأمين:
سعاد المعجل
البحرين : بداية الانفراج السياسي:
د. عمران حسن محمد
"فلنكشف المؤامرة":
عادل رضـا
فيصل القاسم:
أنور الرشيد
أسرار تنشر لأول مرة من داخل الزنزانة(الحلقة3)
بطلة البصرة:
حميد المالكي
جزين:
فوزية أبل