رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9-15 ربيع الأول 1420هـ - 23-29 يونيو 1999
العدد 1382

أسرار تنشر لأول مرة من داخل الزنزانة(الحلقة3)
بطلة البصرة
حميد المالكي
hamid@taleea.com

أسرار عجيبة وغريبة يزدحم بها المشهد العراقي والمأساة المروعة التي يعيشها شعبنا العراقي في ظل أصعب أنواع القمع والإرهاب·

إن آلاف الجرائم التي ارتكبها النظام لا تزال غامضة وهي غالبا ما تنفذ بمواطنين تم اختطافهم بطريقة سرية بالغة وأصبح مصيرهم مجهولا منذ سنين·

كذلك هناك أساليب لا تزال مجهولة يمارسها النظام في تصفية خصومه السياسيين وهذه وتلك يجب الكشف عنها وتوثيقها وإطلاع الرأي العام عليها ومحاكمة ومعاقبة مرتكبيها·

وفي هذه الحلقات نعرض عددا من الأساليب في قتل المواطنين وهي تنظر لأول مرة حيث أمكن الحصول علىها أخيرا·

كانت تستمع إلى الأستاذ المحاضر، دون أن تستوعب المادة وموضوعها، جامدة متقوقعة على الكرسي، كانت الأفكار تغلي في رأسها بشكل محموم، انساقت إلى الاستغراق في تأملاتها· جمعت أشلاء أفكارها المبعثرة لتحقيق تهريب الشباب الأربعة المطلوبين من شرطة أمن البصرة ثغر العراق، والمشهورة بنخيلها والتي فعل صدام حسين ونظامه بها التقطيع وحرم الشعب من ثمرتها الغنية، تفكر في أعماق نفسها وتخطط عن طريقة اصطحابهم في القطار الصاعد إلى العاصمة هربا من المدينة التي استفحل فيها الظلم والاضطهاد، هربا من اعتقالهم وتعذيبهم واحتمال ضياعهم، عليها واجب إنجاز المهمة بدقة وحرص، بعيدة عن العيون الغادرة، مارست مهنة الدليل سابقا بنجاح وشجاعة فائقين متحملة المسؤولية الخطيرة بقلب لا يعتريه الخوف ولا يمسّه الوجل، كانت تشعر بملء الفخر في حلاوة الانتصار والإحساس بالانتعاش الكفاحي الناجح·

أعلن الجرس انتهاء المحاضرة، جمعت كتبها ودفاترها متوجهة إلى باب الخروج وعلامات العزم والصدامة مرسومة على وجهها الأسمر البعيد عن المكياج، فتاة ذات الواحد والعشرين من العمر مثال للنبل والأخلاق الفاضلة ممشوقة القوام، ذات قيافة متواضعة تسيطر على طبيعتها السذاجة والبساطة·

كانت الساعة الثالثة بعد الظهر عندما وضعت قدميها خارج باب الجامعة متخذة مسارها الاعتيادي وهي تصغي إلى تعليق رفيقة صفّّها عن موضوع المحاضرة، أحاط بها رجلان من ذوي الشوارب الهابطة وقبضا على ساعديها يحاولان وضعها داخل السيارة المرابطة قرب الجامعة، عرفتهما وعرفت غرضهما، من حثالة المجتمع، عميلي التجسس، فقاومتهما بشدة وهي تصرخ وتصيح وتستنجد تريد إثارة الضجة وتعميمها فتجمع الناس وتكدس الشارع بالرجال العاطلين والنساء والشيوخ وعيونهم شاخصة على نذالة جلاوزة النظام وعملهم الهمجي يمارسونه ضد الفتاة العازلة· أصاب المتجمهرون حالة من تبلد الحواس عن الصورة المأساوية باستثناء الشيخ الذي غمرته نخوة الشباب فاقتحم الحشد صارخا طالبا وداعيا إطلاق حرية الفتاة فعالجته ضربة بأخمص المسدس على رأسه وتبعته عدة ركلات رمته بعيدا ساقطا على وجهه سابحا بدمائه، قبض أحدهم على شعر رأسها الأسود الطويل وسحلها وهي تقاوم وترفس بقدميها وتستغيث حتى تم حشرها داخل السيارة التي تحركت بأقصى السرعة·

قادها أحدهما معصوبة العينين وأجلسها على الكرسي، انتزع العصابة من عينيها لتجد نفسها قرب المكتب الضخم ، أجالت النظر في الغرفة الواسعة وآثار الدماء على الجدران وأدوات التعذيب المختلفة معلقة، أدركت أن الوضع الذي هي فيه لا يبشر بالخير، فعليها مواجهة الواقع حيث إن حياتها في خندق الموت وقد لا تخرج من هذا الجب إلا جثَّة ، فنظام صدام قاس، إنه معصرة بشرية نهمة بين فكيه أضراس حادة تفتك بالبريء·

قطع شريط أفكارها دخول رجل ضخم بقيافة كاملة غير متناسقة بعيدة عن الذوق مصبوغ بغير إتقان شعر رأسه، شاربه الكث والغزير يغطي شفتيه الغليظتين ووجه قمحي مستطيل ترك الجدري آثاره وأنف بدون أرنبة وعينان مدورتان قد غطاهما الحاجب والوجه مملوء بالشحم، إنه مفرط في القبح، جلس وراء مكتبه وثلاثة تلفونات ملونة عليه ومغطى بالمحافظ·· ! ترك سترته معلقة على ظهر الكرسي، أخرج سيكارة من صندوق بجانبه مقلدا سيده وبعد أن أخذ نفسا عميقا،خاطبها: يسوقنا ضميرنا إلى النصح، عليك الاعتراف الكامل وإلا سينالك التعذيب الشديد، وأعقب قائلا مهددا·· علت على شفتيها ابتسامة احتكار وقالت لذاتها، غبي حمار وأجابت مرتسمة الشجاعة وخرج صوتها قويا وجريئا·

تتحدث عن الضمير فضمائركم ليست في قلوبكم المتحجرة، فهي مستقرة ومرتكزة في جيوبكم وليس لي ما أعترف به·

انهالت عليها الضربات والكابل يهوي على جميع أنحاء الجسم والكي بالكهرباء في المناطق الحساسة والضرب المبرح بالعصا الغليظة لم يتوقف على الساقين والصدر، ولكل ضربة نغمة وهي تشعر بحرقة شديدة مصحوبة بأنين الوجع، أحست بألم عنيف يعصر قلبها وسقطت مغشيا عليها،  استردت وعيها على صراخ المحقق القبيح بصوت جنوني واللعاب يتطاير من فمه وقد زمّ شفتيه فتكورتا ورسمتا مؤخرة الدجاجة، اسجنوها في المرحاض·

أدخلوها المرحاض والغائط يعلو كاحل رجليها، والرائحة الكريهة والشديدة تضرب في خياشيمها،  والذباب يطن ويسبح حواليها ويتساقط على وجهها·

أراد الجلادون أن تخور قواها وتتداعى ساقطة تعيسة، بائسة، ذليلة، فهذا حسبهم، لكن إيمانهما راسخ كالحديد الصلب، كلما اشتد الطرق ازدادت قوة وصلابة وليس كالزجاج يتناثر بضربة واحدة·

فقال أحدهم:

- هذا هو المكان الذي يليق بك··!

فأجابت بتحدٍ صارخ:

سأبقى في هذه القذارة لأتخلص من رؤية وجوهكم الأكثر وساخة وقذارة· نقلت بعد غروب الشمس إلى زنزانة هبت عليها رائحة اختمار البول والغائط المتراكم في الزاوية·· جلست الشابة متقرفصة وبريق عينيها يشع بالشجاعة والبسالة·· أثنت ساقيها ثم غرست رأسها بين ركبتيها، هامت في مسار المفروض والاحتمالات، مبعثرة الذهن ومحاولة جمع شتات أفكارها، كفّ ذهنها عن التفكير،تئن من الأوجاع والآلام التي سلبت من جفونها النعاس والنوم، وهكذا استمر الحال على هذا المنوال سبعة أيام متحملة صنوف التعذيب ولم يسمعوا سوى كلمة لا أعرف · وبعدها رموها على باب مسكن والديها في منتصف الليل غائبة عن الوعي ممزقة الملابس ملطخة بالدماء وملوثة بالقاذورات·

الفتاة المذكورة أم لثلاثة أطفال وتعيش حاليا مع زوجها خارج العراق·

نداء:نرجو إرسال احتجاجاتكم على ممارسات النظام الصدامي الإرهابية والتضامن مع شعبنا العراقي في مأساته المروّعة على العنوان التالي:

  UNITED NATIONS NEYORK NY 10017- U.S.A

 

موكب صدام في شارع بغدادي

 

تدخل مدينة بغداد بما يشبه الإنذار المشدد على الطرقات التي يسلكها الوزراء في طريقهم إلى وزارتهم، وكذلك عند العودة إلى البيوت وتكون شدة الإنذارات ذات وتيرة مختلفة، وتتصاعد بشكل طردي مع أهمية الوزراء، إذ إن مساحة الطرقات التي يمنع فيها السير أمام سيارة وزارة الدفاع أكثر بكثير من تلك التي تخصص لوزير الثقافة مثلا، ولكن الكارثة الحقيقية التي يصاب بسببها نصف العاصمة بغداد بالشلل والذي يؤدي إلى عرقلة السير والازدحام عندما يقوم صدام حسين بالخروج إلى منطقة ما في نواحي بغداد أو عند استقباله رئيس دولة أخرى فيها، حينها ترتبك الشوارع وتمتلأ برجال المخابرات والأمن الذين لا تخفى هويتهم على الغرباء·

* * *

ذات مرّة حدث أن شمل الانذار المذكور أحد أهم الشوارع الرئيسة في بغداد وهو "شارع السعدون" الذي يزدحم بالسير أثناء النهار حتى ساعات الليل الأخيرة حيث يقدم إلى هذا الشارع العديد من أهالي المحافظات الأخرى لغرض متابعة المعاملات الحكومية أو مراجعة الأطباء الذين يزدحمون على جانبي هذا الطريق·

حينها كان رجال الأمن ينتشرون بشكل مكثف على طوال الطريق لمنع السيارات في السير وكذلك لمنع المشاة من العبور إلى الطرف الآخر من الشارع·

* * *

ومن بعيد كان موكب السيارات المخصصة للقصر الجمهوري يتقدمه عدد من الدراجات النارية المسرعة، في هذه الأثناء قام رجل مسن يرتدي الزي الجنوبي بالعبور إلى الجهة المقابلة، وما أن انتبه للموكب عاد مسرعا إلى المكان الذي عبر منه للتو، لكن الذي حدث بعدها لهذا الشيخ المسكين لا يمكن أن يوصف·

* * *

فما أن مرت لحظات قليلة حتى توقفت بسرعة هائلة واحدة من سيارات الموكب ونزل منها أربعة رجال بأيديهم هراوات مطاطية واقتربوا من الشيخ وبدأوا يضربونه بوحشية وأمام كل الحاضرين الذين حاولوا تخليص الرجل من بين أيديهم لكنهم تعرضوا للضرب أيضا، وهناك من يذكرون أنهم تعرضوا لهزات كهربائية ارتعدت لها كل أوصال أجسادهم·

* * *

بعد ذلك وضعوا ذلك الجنوبي بسيارتهم وانطلقوا بذات السرعة التي توقفوا بها واتجهوا نحو الموكب الرئاسي·

وظل في الشارع عقال الرجل وعباءته التي تلطخت بدمه·

لابد أن هذا الرجل قد مات إذ لا يمكن لجسده المريض أن يحتمل تلك الضربات القاتلة، كما أنه لايمكن أن يحتمل التعذيب الذي سيتعرض له كي يعترف عن السبب الذي دفعه إلى العبور في ذات اللحظة التي مرت بها سيارة صدام·

�����
   
�������   ������ �����
الذكرى 94 لصدور "برنكيبيا ماتيمانيكا"
برتقالة الدكتور مصطفى جواد!
الانتخابات العراقية·· مفتاح العملية الدستورية
أول بيان يرسي قواعد جديدة وثابتة بين البلدين
قراءة عراقية في البيان الكويتي العراقي
بمناسبة ذكرى الغزو الغاشم
قراءة في وثائق الدبلوماسية الكويتية
الفضائية الكويتية صوت العراقيين الذين لا صوت لهم
الفضائيات العراقية تكسر احتكار الفضاء
محاكمة صدام حسين والقضاء المستعجل
وثيقة تنشر للمرة الأولى
صدام حسين أمام محكمة الشعب عام 1959
نساء العراق بريئات من صدام حسين
دفاعنا عن الكويت يعني دفاعنا عن الحقيقة
نداء عاجل
فشلت المؤامرة وانتصر العراق
الوحدة وتسليم السلطة في العراق
أضواء على التعداد العام في العراق
خطوة كويتية جديدة باتجاه العراق
انتصار الرياضة العراقية
المواطنية والوطنية والولاء
أضواء على مهمة الأخضر الإبراهيمي في بغداد
أطروحتان لمساعدة الشعب العراقي
الاستثمار الكويتي في العراق
حدث تاريخي بارز في الحياة السياسية الكويتية
الذكرى الرابعة لندوة مستقبل العلاقات الكويتية العراقية
قراءة من منطلق رؤية فيزيائية فلسفية
كيف وإلى أين يسير الوضع في العراق؟
  Next Page

مزيداً من الحرية والأمان:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
ديمقراطية حسب المقاس:
د.مصطفى عباس معرفي
رسالة إلى الناخب(4):
يحيى الربيعان
حسابات التطور!:
عامر ذياب التميمي
كوكاكولا:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
القوي الأمين:
سعاد المعجل
البحرين : بداية الانفراج السياسي:
د. عمران حسن محمد
"فلنكشف المؤامرة":
عادل رضـا
فيصل القاسم:
أنور الرشيد
أسرار تنشر لأول مرة من داخل الزنزانة(الحلقة3)
بطلة البصرة:
حميد المالكي
جزين:
فوزية أبل