رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9-15 ربيع الأول 1420هـ - 23-29 يونيو 1999
العدد 1382

ألفـــاظ و معـــان
كوكاكولا
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله

قرأت قبل ستة أشهر مقالا في "مجلة الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية" عنوانه "ومتحدين نشرب الكوكاكولا" يسخر كاتبه من مروجي دعوة "العولمة" تحمل الخير لكل بشر مؤكدا أن غاية ما يمكن أن يحصل عليه غالبية أهل الأرض هو زجاجة من هذا المشروب· وقد تذكرت هذا المقال حين سمعت عما حدث في أوروبا الغربية ولم ينل اهتماما يذكر في أجهزة الإعلام المصرية كلها، حكومية ومعارضة، فقد أمرت السلطات في بلجيكا بسحب زجاجات الكوكاكولا من كل مواقع بيعها، ثم امتد هذا الإجراء الحاسم الى فرنسا ثم أسبانيا، وكان له صدى أوسع في امتناع المستهلكين عن هذا المشروب في أقطار أوروبية أخرى· وقد بدأت القصة بظهور أعراض قيء ودوار وإعياء يصل الى حد الإغماء على عدد من الطالبات في أكثر من مدرسة إثر تناولهن له· وسرعان ما أعلن أن مصنع التعبئة قد أخطأ من حيث النوع أو الكمية عند إضافة غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يصنع الفقاعات التي يحفل بها المشروب· ويبدو أن ذلك هو الحدث الأول من نوعه في أوروبا، وربما تكرر في الولايات المتحدة أو في بعض بلدان العالم الثالث ونجحت الشركة في إبقاء الأمور في طي الكتمان·

ونوضح ابتداء وضع كوكاكولا في الرأسمالية الكوكبية المعاصرة، فهي تحتل المكانة 201 في قائمة أكبر خمسمائة شركة كوكبية التي تنشرها مجلة "فورشن" الأمريكية· وكانت إيراداتها في 1997 (آخر سنة متاحة) 18,9 مليار دولار، كما أن لها شقيقة تسمى "كوكاكولا انتربرايزس" تحتل المكان 401 في القائمة نفسها وبلغت إيراداتها 11,3 مليارا· وإجمالي إيرادات الشركتين يبلغ 30,2 مليارا في سنة واحدة، وهو يتجاوز الناتج القومي الإجمالي لمصر ويقل قليلا عن الناتج القومي الإجمالي لإسرائيل· فهي نموذج صارخ لأوضاع الرأسمالية الكوكبية· وهي كذلك منذ البداية مثل جيد على نجاح الرأسمالية في سعيها الدؤوب لتعظيم الربح الى خلق شهوة استهلاكية وإشاعتها بين الناس بطرق التسويق المتعددة· والشهوة غير الحاجة، فهذه الأخيرة ضرورة بيولوجية تتمثل في الحاجة الى الماء أساسا· ولما كان الإنسان يحب التنوع والتحسين، لجأ الناس في بلادنا الى إضافة نقطة من ماء الزهر أو ماء الورد لإعطاء طعم للماء الذي يعرف بأنه لا طعم له ولا لون ولا رائحة· في خطوات أخرى صنع الإنسان تحويل الماء الى عصير من نبت جاف: التمر هندي، الخروب، أو من فواكه ونباتات طازجة كان أشهرها في مصر عصير القصب· وأدخلت الرأسمالية صناعة المياه الغازية بإضافة كيماويات لحفظ المشروب عبر الزمن· وكان لدينا حتى بداية الخمسينيات عشرات من مصانع المياه الغازية·

ونجحت كوكاكولا في تكوين "توليفة" من نبات الكولا الشائع في أمريكا الجنوبية كمنشط (استخرج منه فيما بعد الخلاصة المركزة أي الكوكايين) وإضافة كيماويات توفر الطعم واللون والرائحة والفقاقيع· ولاقى المشروب الجديد ذيوعا غير مسبوق، انتشر في أوروبا واستحوذ على إعجاب شعوب العالم الثالث· ومن ناحية أخرى يجسد هيكل الشركة أسلوب نشاط الشركات الكوكبية، فهي تعمل على تكوين شركات محلية في معظم بلدان المعمورة تتولى "تعبئة الزجاجات" وفقا لتعليمات الشركة الأم ومن دون أن تبوح لأي منها بسر "التوليفة" الذي تحتكره،من  دون أي مخاطرة أو حتى من دون إسهام مالي لأنها تحصل إذا أرادت حصة من أسهم الشركة المحلية مقابل استخدام التوليفة وكذلك الاسم التجاري· وما يقال عن الخطأ الذي وقع في مصنع تعبئة بلجيكي يمكن أن يتكرر في أي مصنع تعبئة في العالم، وأعتقد أنه وقع بالقطع· ولكن دول الاتحاد الأوروبي تطبق إجراءات متعددة لحماية المستهلك وتراقب مواقع الإنتاج·

والسؤال الآن، هل لدينا جهة حكومية تفتش وتختبر ليس شركة الكوكاكولا المصرية فحسب بل مجمل مصانع الأغذية والمشروبات؟

�����
   

مزيداً من الحرية والأمان:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
ديمقراطية حسب المقاس:
د.مصطفى عباس معرفي
رسالة إلى الناخب(4):
يحيى الربيعان
حسابات التطور!:
عامر ذياب التميمي
كوكاكولا:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
القوي الأمين:
سعاد المعجل
البحرين : بداية الانفراج السياسي:
د. عمران حسن محمد
"فلنكشف المؤامرة":
عادل رضـا
فيصل القاسم:
أنور الرشيد
أسرار تنشر لأول مرة من داخل الزنزانة(الحلقة3)
بطلة البصرة:
حميد المالكي
جزين:
فوزية أبل