| كان قرار جمعية الوفاق الإسلامية البحرينية بالمشاركة في الانتخابات البلدية واقعيا وحكيما إلى أبعد الحدود، وقد أثبتت التجربة والممارسة صواب هذا القرار والذي يستطيع أن يستشعر الآن أهميته وتأكيده في المقام الأول أعضاؤها البلديون·· فلولا وجودهم داخل المجالس البلدية والتي حصدوا أكثر من ثلث كراسيها لصعب تصور أداء هذه المجالس ولاسيما في القرى في ظل غياب الكفاءات الإدارية عنها والتكنوقراطية التي تحظى بشعبية في مناطقها، وخاصة في ضوء محدودية السلطات المنوطة بتلك المجالس·
و"الوفاق" حينما اتخذت قرار المشاركة هذا كانت تعلم أتم العلم بتلك المحدودية لكنها انطلقت من أن التواجد في المجالس البلدية مهما كانت محدودية سلطاتها واختصاصاتها خير من الغياب الكلي عنها، وأن العمل من داخل هذه المجالس - أسهل وأفضل بكثير من العمل خارجها لما يكتنفه هذا العمل من تعقيدات طويلة محفوفة بالمخاطر بعيدا عن القنوات الشرعية المباشرة·
لكن لدى مقارنة هذه المعطيات والحيثيات التي دفعت "الوفاق" للمشاركة في الانتخابات البلدية، ثم إصرارها عن وعي معمق على التواجد في مجالسها حتى بعدما تبين لها بالممارسة محدودية سلطاتها·· نقول لدى مقارنة هذه الدوافع الوجيهة بقرار مقاطعة الانتخابات النيابية يظل هذا القرار لغزا محيرا يصعب فهمه أو تفكيكه وعلى وجه الخصوص إذا ما علمنا بأن تلك المعطيات والمبررات الدافعة للمشاركة في البلديات هي ذاتها بالضبط التي تستدعي تبني موقف واقعي صبور وحكيم بالمشاركة في الانتخابات النيابية·
فإذا ما افترضنا جدلا صحة المبررات السياسية بالمطلق الدافعة لمقاطعة انتخابات مجلس النواب لضعف سلطاته التشريعية في نطاق اختصاصه فإن هذا الضعف أقل بما لا يقارن بالمرة بضعف ومحدودية سلطات المجلس البلدي في نطاق اختصاصه·
وإذا كان من أبرز الدوافع التي حدت بالوفاق للمشاركة في الانتخابات البلدية، كما أعلنت هي عنها، هو العمل من داخل هذه المجالس لتطوير اختصاصاتها وتفعيل دورها بهدف إيصال أفضل الخدمات إلى المواطن والمساهمة في تطوير البنية التحتية فإن المجلس النيابي هو الأولى والأهم بالعمل من داخله ليس فقط لتقديم أفضل الخدمات للمواطن في مختلف المجالات - بما فيها "البلدي" - لا "البلدي" وحده باعتبار البرلمان المحور والأداة والسلطة الأعلى من المجالس البلدية في ممارسة هذا الدور ناهيك عن ممارسة الدورين التشريعي والرقابي لضمان مختلف حقوق المواطنين الأساسية بل للعمل من داخله لتطوير اختصاصات المجلس النيابي نفسه بالتفاعل مع جميع أشكال الدعم والمشاركة الشعبية من خارجه·
مؤخرا تقدمت جمعية "الوفاق" بمفردها وبمعزل عن حليفاتها الثلاث في المقاطعة - "العمل الوطني" و "العمل الإسلامي" و "التجمع القومي" - وبمعزل أيضا عن فتح أي قناة مع المجلس النيابي بمشروع اقتراح لتعديل قانون البلديات الصادر بمرسوم رقم (35) لسنة 2001 ويتضمن المشروع المقترح تعديل 15 مادة من القانون و 12 بندا في المادة الـ (19) المتعلقة باختصاصات المجالس البلدية وذلك لتقوية سلطات واختصاصات هذه المجالس، ورفعت هذا المشروع المقترح إلى كل من ديواني ملك البلاد ورئيس الوزراء·
ولعل الإمعان في هذه البادرة الجديدة المفاجئة يكشف عن وجه آخر من وجوه الغموض والازدواجية في مواقف وسياسات "الوفاق" المتأرجحة بين "المشاركة" و"المقاطعة" في الأطر الشرعية الدستورية القائمة، وهي المواقف التي تعبر في جانب منها عن صراع سلمي حضاري من تعدد الآراء المتمحورة بين الخطين "المعتدل" و "المتشدد" فيها، مما يتطلب منها إجراء مراجعة سريعة وشجاعة لانتهاج الخط الأول أو خط وسط بين الخطين تهيئة للانتخابات النيابية المقبلة القريبة وقبل فوات الأوان·
ü كاتب بحريني |
