محطة CBS الأمريكية سعت وإلى أكثر من مرة، من أجل عرض برنامجها المشهور 60 دقيقة، بيد أن الإدارة الأمريكية ارتأت منع بث ذلك البرنامج، من باب الحرص الذي يراودها حول أمنها القومي، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر المأساوية، الحلقة التي أمر بمنعها، كانت في ما يتصل بوضع بعض السجناء في سجن أبو غريب الواقع في بغداد، على كل حال بطريقة أو بأخرى، أغلبنا شاهد تلك الصور عبر الكثير من وسائل الإعلام العربية والغربية المتنوعة، المناظر المقززة والرهيبة للسجناء العراقيين وهم عراة فوق بعضهم بعضا وبشكل هرمي!! قد أزعجت الكثير من الجماهير والساسة في مختلف أصقاع العالم، وزيادة على ذلك، فقد عبرت عن مدى هذيان القوات الأمريكية في العراق·
المشهد الآخر، والذي كان له وقع الأثر والصدمة في النفوس، حينما شاهدنا ذلك السجين العراقي الواقف على صندوق "حديدي" صغير والأسلاك الكهربائية الممتدة إلى بعض الأطراف الحساسة في جسده؟!! فضلا عن ذلك، فقد وجه التهديد لذلك السجين المغبون بعدم الحراك أو النزول من على الصندوق، وإلا سوف يصعق بالتيار الكهربائي؟!
سؤال يطرح نفسه والسؤال مشروع في هكذا قضايا إنسانية، بماذا نفسر هذا الهذيان؟ ألا يكفي القوات الأمريكية المحتلة للأراضي العراقية، كل هذا النقد والانتقاد الذي يحوم من حولها، حتى تأتي شرذمة من جنودهم بممارسات حمقاء وبعيدة كل البعد عن أدنى وأبسط حقوق الإنسان·
حتى الأمس القريب كنا نتصور، أن تلك الأفعال الدنىئة يشتهر بها الطاغية صدام ونظامه البائد ومن هم على شاكلة تلك الأنظمة الجائرة، في حين ما شاهدناه من حيث المحاكاة والتطابق بالتصرفات، من قبل ثلة من بين أفراد القوة الأمريكية، في واقع الأمر أذهلنا وبشدة·
يا ترى ما الخطب من وراء كل ذلك؟ وما سبب كل تلك العجرفة والإهانة غير المسؤولة التي تلقاها السجين العراقي على أيدي سجانيه؟ وللعلم، إن تلك التجاوزات قد حدثت في شهر يناير الماضي، هنا أود أن أسأل: هل قبل ذلك التاريخ أو بعده ثمة تجاوزات مماثلة قد حدثت أم لا؟ لا شك أن الله هو العالم بذلك، ولكن ربما في القادم من الأيام سيظهر للعيان ما هو مطموس·
الجنرال جانيس كاربينسكي المسؤولة عن سجن أبو غريب، عندما اشتد عليها مراس النقد، أباحت سرا في غاية الخطورة، حينما قالت: إن تلك التصرفات الطائشة كانت تدعم بتشجيع من باقي الوحدات العسكرية الأمريكية! الرئيس الأمريكي بدوره، أخذ بعين الاعتبار تلك التجاوزات، بل واستهجنها بشدة، واعتبرها منافية للأخلاق والمبادىء الأمريكية·
للأمانة لا يمكننا أن ننكر ذلك، فالشعب الأمريكي معروف بسخائه وكرمه، بالمناسبة عندما نتناول هذا الموضوع، إننا لا نخلط ما بين الشعب الأمريكي وزمرة شاذة من قواتهم المتواجدة في العراق·
ما نتمناه فعلا وليس وهما، أن يتم فصل الجنرال جانيس وطاقمها سيىء الذكر، ليكونوا عبرة لبقية أفراد الجيش الأمريكي، وأيضا كي يمتص الأمريكان غضب إخواننا في العراق·
أمريكا الآن تحت المجهر، وعليها أن تعي جيدا، مقدار أي خطأ أو تجاوز يحدث بالنسبة لسياساتها في العراق، فحبذا لو لجأت إلى الحوار والدبلوماسية و المرونة في التعامل، بدلا من منطق النار والحديد·
نسأل الله أن يجتاز الشعب العراقي الشقيق هذه المحنة، وأن يتحقق حلمه بممارسة الديمقراطية والتعددية والحريات الفعلية، كي يكون أنموذجا يحتذى به في العالمين العربي والإسلامي· |