أشاع التحرك السريع الحازم الذي أقدم عليه ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة لتطويق تداعيات أحداث مسيرة الجمعة 21 مايو الماضي وهي في مهدها جوا من الارتياح النفسي والأصداء الطيبة في نفوس مختلف الأوساط والقوى والرموز الشعبية والسياسية في البحرين·
وقد ارتكز تحرك الملك لتطويق ومنع تلك التداعيات على أربع نقاط رئيسة مترابطة كان لها مفعولها الحازم السريع في نزع فتيل احتقان غير مأمون العواقب: الأولى: تعيين وزير جديد للداخلية ممثلا في اللواء الركن الشيخ عبدالله بن راشد آل خليفة· الثانية: تأكيده الحق المشروع للمواطنين في التعبير السلمي عن تضامنهم مع أشقائهم العرب والمسلمين في قضاياهم المصيرية لما يتعرضون له من محن ومظالم كما في فلسطين والعراق· الثالثة: التشديد على أن تقوم السلطات الأمنية في البلاد برعاية هذا الحق وحمايته وعدم مصادرته ما لم يتم التعرض للأرواح والممتلكات وتجاوز الوسائل السلمية· الرابعة: التشديد على إجراء التحقيق و"النظر في حقيقة ما حدث لتحديد المسؤولية طبقا للقانون"·
وعلى الرغم من مرور وانتهاء المسيرة اللبنانية الحاشدة التي نظمها حزب الله للدفاع عن العتبات المقدسة في العراق بسلام وهي المسيرة التي انطلقت في يوم المسيرة البحرينية نفسه التي تخللتها الأحداث المعروفة المؤسفة فإن في المسيرة الأولى بالنظر الى تداعياتها وانعكاساتها السياسية محليا وإقليميا ودوليا الكثير من العبر والدروس الجديرة بالاتعاظ على صعيد ساحتنا السياسية·
وسواء كان من محاسن المصادفات العفوية أو التخطيط الواعي المسبق فإنه لم يجر على صعيد المسيرة البحرينية ذلك التحشيد والتعبئة القصوى لحشد أكبر عدد ممكن فيها، كما لم تشهد رفع صور الزعيم العراقي الشاب مقتدى الصدر المثير للجدل والانقسام في صفوف الطائفة الشيعية بالعراق بل رفعت صور السيستاني، فإن ما يلفت الانتباه في مسيرة حزب الله أنها لم تكن عادية بل بذل الحزب أقصى طاقته لحشد واستنفار أكبر عدد من محازبيه وأنصاره فيها حيث قدرها الحزب ومويدوه بنصف مليون فيما قدرتها الأوساط المحايدة بـ 300 ألف متظاهر، وحيث جرى فيها رفع صور مقتدى الصدر، بل لم يتوان المتظاهرون عن الاقتداء به في لبس الأكفان مطبوعا عليها: "لبيك يا حسين" كدلالة على استعدادهم جميعا لتقديم الشهادة في سبيل الدفاع عن حرمة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، وحيث خاطبهم زعيم الحزب السيد حسن نصرالله بأن يكون حملة الأكفان اليوم حملة للسلاح غدا للقتال والاستشهاد في سبيل كل المقدسات حتى تحقيق النصر والعزة للأمة، وختم خطابه بالهتاف: "الموت لأمريكا"، "الموت لإسرائيل"، "لبيك يا حسين"·
وإذا كانت المسيرة اللبنانية مرت بسلام دون إشكالات أمنية فإنها أثارت على الساحة اللبنانية موجة من ردود الفعل السياسية المتفاوتة بين التأييد والتأييد المتحفظ والاعتراض، فبالنظر الى ما غلب عليها من طابع فئوي حزبي اعتبرتها أوساط كثيرة أنها لا تخلو من رغبة في التحدي واستعراض للقوة الطائفية السياسية والحزبية في بلد لم يتعاف بعد من ذيول وتداعيات الحرب الأهلية التي عمقت انقساماته الطائفية·
وتساءل البعض بأنه ما دامت المسيرة تطرح شعارات الانسحاب الأمريكي من كل العراق والدفاع عن كل المقدسات الإسلامية بما فيها المسجد الأقصى فلماذا لم يبذل جهد كاف مع مختلف القوى والأطراف اللبنانية لتكون هذه المسيرة موحدة تمثل كل هذه القوى والأطراف الممثلة لألوان الطيف السياسية والدينية للشعب اللبناني ولو بمشاركات رمزية إذا ما تعذر حشد أكبر حجم لها؟
ولم يتورع آخرون عن التساول الاحتجاجي: لماذا يجب دائما على لبنان الضعيف الممزق المستهدف أن يحمل ما تنوء عن حمله الجبال حتى في القضايا الخارجية ويتطوع حتى في عز جراحه لدفع ضريبة التزامه بها أكبر مما يدفعه حتى المعنيون بها؟!
بل لم يتوان بعضهم عن الاستنتاج بوجود أصابع إيرانية في الحض على المسيرة بشكل أو بآخر لقطع الطريق على المرجعية العراقية من استعادة دورها المجهض طوال حكم البعث السابق·
أما على الجانب العراقي فقد أثارت المسيرة حساسية الحوزة العلمية والمرجعية الدينية في النجف ممثلة في السيد علي السيستاني الذي يحظى باحترام غالبية الأوساط والقوى الدينية والسياسية داخل وخارج طائفته والمعروف برفضه الاحتلال الأمريكي وسياساته في العراق· ففي رسالة الحوزة الى السيد حسن نصر الله جاء فيها: "إن حركة السيد مقتدى تفتقد الى الشرعية بالمعنى الأخص، فلا السيد السيستاني يؤيدها ولا بقية مراجع النجف الأشرف ولا حتى السيد الحائري، إن حركة السيد مقتدى الصدر الأخيرة هي التي جرأت المحتلين على تجاوز الخطوط الحمر، وإلا فإن الأمريكيين حتى في يوم اقتحامهم للعراق وزحفهم تجاه بغداد عبر النجف وكربلاء لم يرتكبوا ما ارتكبوا اليوم من حماقات وجرأة على الحرمات في المدينتين المقدستين"· |