إن أساليب التعذيب التي مارستها الاستخبارات العسكرية الأمريكية في العراق ليست غريبة على العالم فالمخابرات الأمريكية (CIA) مارست أشهر وأكثر همجية ضد المعتقلين السياسيين منذ فترة بعيدة في كل من فيتنام ولاوس وكمبوديا وفي أمريكا اللاتينية ضد هذه الشعوب لانتزاع الاعترافات من المناضلين الوطنيين والتقدميين، وتحاول الامبريالية الأمريكية تبرير هذه الأفعال الوحشية بوسائل شتى، وتدعي أنها أعمال فردية، وإن هذه الأعمال ليس من صفات الإنسان الأمريكي، وأن الشعب الأمريكي يقيّم الشعور الإنساني للشعب العراقي ويحترم مقدساته، وأن الآخرين الذين ارتكبوا هذه الجرائم سوف يقدمون الى المحاكمة وقدم كل من بوش ورامسفيلد اعتذاره لأهالي ضحايا التعذيب، ولكن الواقع غير ذلك، إن عملية تعذيب المعتقلين العراقيين بهذه الطريقة السادية ليس عملا فرديا بل عمل منهجي أي systemetic، وضعتها المخابرات المركزية والمعروفة بخطة (آر 21) نظام خاص لتعذيب المعتقلين العراقيين، وقد شكلت التقارير التي نشرت أخيرا عن عمليات التعذيب الوحشية التي أخذت بعدا ساديا واضحا ومكشوفا ضد السجناء العراقيين في أثناء التحقيق تحولا حقيقيا في الجدل الساخن حول الحرب الأمريكية على العراق وكان سجن أبو غريب رمزاً للعذاب والإرهاب في ظل نظام صدام حسين لكن العسكريين الأمريكيين الذين جاؤوا لإنهاء كل من كان يمثله لجأوا الى استخدام أساليب الاستعمار القديم والجديد ضد أسرى الحرب العراقيين ويشير التقرير الداخلي للجيش الأمريكي الذي قام به في سجن أبو غريب خلال شهري نوفمبر وديسمبر عام 2003 الى تورط مؤسستين للخدمات العسكرية المؤجورة منهما شركة "كاسي انترناشيونال" التي تتخذ من ولاية فرجينيا الأمريكية ومقرها في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وقد كشفت التحقيقات التي قام بها الجيش الأمريكي عن ممارسات منحرفة ارتكبت بحق السجناء، وظهرت مئات الصور، وقد جابت كل هذه الصور والأعمال البربرية والوحشية التي ارتكبها العسكريون الأمريكيون كل العالم وأثنى فيها على وزير الدفاع أكبر دليل على ذلك، عندما دعا الرئيس بوش وزير دفاعه رامسفيلد في كامب ديفيد وخاطبه قائلا "أنت يا أحسن وزير دفاع لأمريكا، إن العمل الذي قمت به في العراق شيء رائع" بينما صور تعذيب السجناء والمعتقلين معلقة أمامه في القاعة· جرائم الحرب هذه تعكس صورة الولايات المتحدة الأمريكية عن نفسها، التي تدعي بأنها تجسيد الخير ضد الشر، وكان الرئيس جورج بوش قد استخدم في حديثه الأيديولوجي وبشكل ممنهج تلك المقولة التي استعارها من الرئيس السابق رونالد ريجان بشأن موضوع الاتحاد السوفييتي "امبراطورية الشر" لكي يدين في شهر يناير عام 2002 "محور الشر" المكون من العراق وإيران وكوريا الشمالية، فبعد إسقاط الدكتاتورية الصدامية وعدت واشنطن بإقامة ديمقراطية نموذجية في العراق يؤدي إشعاعها الى دفع الامبراطورية الأمريكية الجديدة الى إسقاط جميع الأنظمة، الاستبدادية في المنطقة فهل صدق بهذا الوعد؟ بالطبع لا، فجرائم الحرب في العراق عامة وفي سجن أبو غريب خاصة شاهدة على أن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان هما آخر ما يريد وجودهما في المنطقة، وهو يعلم جيدا أن أي انتخابات حرة في العراق ستكون كارثية للولايات المتحدة الأمريكية لأنها ستأتي بحكومة أكثر عداء لأمريكا من الأنظمة الراهنة·