| تشهد الساحة الفلسطينية في داخل الأراضي المحتلة بما فيها أراضي السلطة الفلسطينية حوارا على درجة من الأهمية لمواجهة التحديات التي تواجه معركة المصير الوطني الفلسطيني التي دخلت منعطفا بالغ الخطورة والتعقيد في ظل الخسائر الاستنزافية المتلاحقة التي يواجهها النضال الفلسطيني مع استشراس و"تغوّل" الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة شارون وتخلي الأنظمة العربية الكامل تقريبا عن القضية الفلسطينية وانهماك قوى التحرر العربية في شؤونها الداخلية، واطراد الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل سياسيا وعسكريا ودوليا، ونزول الولايات المتحدة بثقلها عسكريا وسياسيا واقتصاديا في قلب المنطقة العربية "العراق" وكل ذلك في ظل أسوأ مرحلة انقسام وتشتت تشهدها الساحة الفلسطينية·
فبالتزامن مع البيان التاريخي الذي وقعه لفيف من عشرات الرموز والشخصيات والقيادات المناضلة داخل الأراضي المحتلة للمطالبة بإعادة النظر في العمليات "الاستشهادية" غداة استشهاد الشيخ أحمد ياسين وتفعيل الخيارات النضالية الأخرى التي تندرج في سياق العصيان المدني ومختلف الضغوط والوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الأخرى، وهو البيان الذي أثار ردود فعل تتراوح ما بين الترحيب والتحفظ والتنديد·· نقول بالتزامن مع هذا البيان اختتمت الجولة الأخيرة من جلسات الحوار المكثفة التي ضمت نخبة عريضة من رجال الفكر والمثقفين والقادة الحزبيين ونوابا في المجلس التشريعي ومسؤولين سياسيين وأمنيين في السلطة الفلسطينية·
جلسات الحوار هذه على مدى خمسة أشهر تحت عنوان: "كسر الحلقة المفرغة·· تغيير النمط السياسي السائد" وقد بادرت إلى تنظيمها الشخصية النسائية الفلسطينية المرموقة السيدة حنان عشراوي مديرة "المبادرة الفلسطينية للحوار العالمي والديمقراطية" وتم خلال هذه الجلسات الحوارية تدارس مختلف الخيارات الممكنة لمواجهة الصورة القاتمة للوضع الفلسطيني الداخلي:
1 - حل السلطة الفلسطينية قبل أن تنهار·
2 - تقليل الخسائر وإنقاد ما يمكن إنقاذه·
3 - اعتراف السلطة بفشلها وإعادة بنائها وفق البرنامج الوطني النضالي لمقاومة الاحتلال "بمختلف" الوسائل·
4 - الشروع في عملية إصلاح السلطة باعتبارها مطلبا وطنيا قبل أن تكون خارجيا·
وجرى في هذا السياق تدارس الصعوبات والمعوقات التي تحيط بكل خيار من هذه الخيارات الأربعة وموازنة كفة إيجابيات كل منها بكفة سلبياتها، لكن لم يتضح من التقارير الإخبارية المتوافرة عما إذا خلص المتحاورون بتوافق أغلبيتهم على خيار محدد من تلك الخيارات وإن كان الخيار الثاني هو الذي يبدو أكثر واقعية في الظروف الراهنة الحساسة بالغة التعقيد والخطورة وهو ما أكده ممدوح نوفل عضو المجلس القومي الأعلى الفلسطيني الذي شارك في معظم جلسات الحوار لكن هذا الخيار بحاجة إلى حد أدنى من توفير مستلزمات الوحدة الوطنية والإجماع الشعبي وهذا ليس ميسورا تحقيقه في ظل الوضع الداخلي الراهن بالغ التعقيد الذي وفق في تشخيصه بدقة الدكتور عزمي الشعيبي النائب في المجلس التشريعي حيث وصفه بأنه يعاني من أزمة مزدوجة: أزمة برنامج وأزمة قيادة وأن القيادة الحالية لا تعمل على إقامة برنامج بل إدارة أزمات هادفة بذلك إلى إدامة وجودها في السلطة، وإن المعارضة والسلطة معا كلتيهما تتخبطان في أزمتيهما ولا خروج منهما إلا بالانتخابات·
أما السيدة عشرواي فقد اعتبرت أن حركتي "حماس" و"الجهاد" الإسلامي "ارتكبتا خطأ تاريخيا واستراتيجيا ستحاسبان عليه لإدخالهما المقاومة وحركة التحرر الفلسطيني ساحة الإرهاب والتسبب في خسارتنا الدعم العالمي لنا"·
ويبقى القول : إن حوارات الأطراف الفلسطينية بالداخل من قلب ومناخ معاناة التعقيدات الداخلية وملامستها هي أكثر الحوارات الفسلطينية مصداقية أيا يكن الخيار الذي سيصار إليه شريطة تطوير هذه الحوارات وتوسيعها بعيدا عن منطق الإقصاء والتخوين واحتكار "الوطنية" أو "الثورية" ومن ثم الإصرار على تسييد خيار بعينه وهو المنطق ذاته الذي تصر عليه قوى ورموز عديدة من المعارض العربية تجاه بعضها بعضا حتى فيما يتعلق بالخيارات الفلسطينية الداخلية التي يختلف عليها الفلسطينيون في الداخل أنفسهم·
|
