أستغرب كثيرا عندما ألتقي شخصا للمرة الأولى ويسألني عن أصلي وفصلي ومذهبي وجنسيتي وبعد أن أجيب عن أسئلته أجده قد رسم لي صورة معينة في ذهنه تتوافق مع المعلومات التي حصل عليها والتي في الغالب لا تعبر عن شخصيتي بأي شكل من الأشكال، ومن المتعارف عليه بأن هناك صورة مخزنة في الأذهان عن الشعوب والأديان، وهناك سمات معينة التصقت بالعرب، وهناك سمات أخرى التصقت بالهنود، وهناك سمات أخرى يتميز بها المصريون وهكذا هي الحال مع البقية، ومن هنا جاءت النتائج والأحكام المسبقة على الأشخاص لدرجة أن البعض قد وضع قاموسا في ذهنه يلجأ إليه للحكم على الأشخاص عند أول لقاء بهم، ومن تلك السمات المتعارف عليها أنهم يصفون بعض أبناء القبائل بالغدر، ويصفون مواطني بعض الدول بالغباء، ومواطني دول أخرى بالنصب، وقد لا أعترض على مدى انطباق تلك المواصفات من عدمها إلا أنني أعترض على تعميمها خاصة أنها قد مستني شخصيا فأنا وفقا للغرب إرهابي ووفقا للعرب عميل ووفقا لأبناء بلدي فأنا نذل وهكذا، وفي آخر مرة سألتني امرأة عن أصلي وفصلي وجنسيتي فقلت لها إنني مجرد إنسان، قالت لي من أي بلد أنت؟ فقلت لها إن الدول مفاهيم ابتكرها الإنسان وحددتها المصالح ولم يكن لإنسان دولة ينسب إليها أو حدود يجتازها أو جوازات يختمها أو إذن بالانتقال من إقليم الى آخر، أما عني أنا فقد ولدت في إحدى تلك الرقع التي سموها دولة ولكنني لا أنتمي لتلك الدولة لأن آدم لم ينتم لدولة فأنا مجرد إنسان ولدت في رقعة جغرافية معينة لا تختلف عن أي رقعة أخرى سوى أنها صحراوية وقليلة الموارد الطبيعية باستثناء النفط، فما ارتباط الصحراء والنفط فيّ فأنا مجرد إنسان·
قالت لي ما دينك؟ أجبتها أني عبدالله، فقالت لي كن أكثر تحديدا، هل أنت مسلم أم مسيحي أم بوذي أم غيره؟ فقلت لها إن تلك ديانات لها معتنقوها يتفقون جميعا على عبادة الله ويختلفون في الوسيلة ووسائل التعبير كما أن معظمهم وأنا منهم ولدوا على دين أهاليهم ولم يملكوا من أمرهم شيئا كي يحكم عليهم من خلال دينهم فبأي ذنب يقتل الطفل المسلم في صربيا والطفل المسيحي في تيمور الشرقية، أما عني أنا فأنا أحترم كل الأديان والطوائف والمذاهب فهم يعبدون ربهم ويحترمون مبادئ الدين الواحد التي تجرم القتلة والزناة وتنبذ الكذابين والمنافقين وتحث على المعروف واحترام الإنسان وغيرها من المبادئ الأخرى التي تتفق عليها الأديان·
قالت إذن ما نسبك والى أي عائلة أو قبيلة تنتسب؟ فقلت لها إن النسب مسألة نسبية تعتمد على ربط شخصيتي ونسبي وعرقي الى أحد أجدادي وليس جدي الحقيقي الذي هو جد كل البشر، أما ما ينسبني الناس إليه هو إنسان عرف في فترة معينة بكنية محددة فنسب أبناؤه وأحفاده إليه، وأنا منهم ومن الظلم تعريفي بنسبي وأصلي فإن كان جدي شريفا مكافحا مخلصا فهذا لا يعني أنني كذلك والعكس صحيح وهل لكِ أن تجيبيني عن: ما ذنب الأطفال والنساء والرجال أيضا ممن قتلوا في تصفيات عرقية شهدناها على مر التاريخ؟·
فقالت إذن من أنت؟ وما مهنتك؟ فقلت لها إن المهنة هي اجتهاد شخصي تفرضه الظروف الدنيوية على الإنسان فكم من مهندس عمل في النجارة وكم من محام عمل في الحدادة وهناك سائقو سيارات الأجرة ممن كانوا أساسا أطباء، لذا فإن عملي ليس هويتي وليس دليلا على من أكون؟
فقالت فكيف تعرف نفسك للناس؟ وبماذا تقدم نفسك لهم؟ وكيف يتم تمييزك عن غيرك من الناس؟ فقلت لها ولماذا أتميز عن غيري فأنا منهم ومن الخطأ تمييز الإنسان لعرقه أو دينه أو وظيفته بل يميز الإنسان بمدى احترامه للإنسان ومساواته في التعامل مع كل البشر والطوائف وإخلاصه في تنميته للمجتمع والإنسانية؟
فقالت إذن لن تقول لي من أنت؟
فقلت لها أنا أعظم من الكويتي وكل الجنسيات الأخرى وأخلص من المسلم وكل الديانات الأخرى وأهم من التاجر وكل الوظائف الأخرى وأنبل من السادة وكل الأعراق الأخرى، فقالت من أنت؟ فقلت لها أنا إنسان·
almelhem@taleea.com |