لئن غلب على النتائج التي تمخضت عنها قمة "الثماني" في "سي إيلاند" الأمريكية العمومية والعبارات الفضفاضة فيما يتعلق تحديداً بالدور المنوط بهذه الدول أن تلعبه لدعم الإصلاحات والتحولات الديمقراطية في المنطقة العربية كما ورد في وثيقة "شراكة من أجل التقدم ومستقبل مشترك مع منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا" ووثيقة "خطة مجموعة الثماني لدعم الإصلاح" فإن هذا لا ينفي بالطبع ما تحمله مقررات وبنود المسائل الإصلاحية الأخرى· من جوانب إيجابية نسبياً، وإن كان الموقف من القضية المحورية في مستقبل استقرار المنطقة والمتمثلة في الصراع العربي - الإسرائيلي لم تحظ بأي تطوير ملموس ليشكل ضغطاً ولو معنوياً على إسرائيل لتغيير سياساتها العنصرية والتوسعية تجاه الفلسطينيين والعرب الهادفة إلى استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة مكتفية "القمة" بتأكييد قرارات الأمم المتحدة من دون الإشارة إلى دور إسرائيل في إجهاضها·
ويمكننا بوجه عام أن نكتفي هنا بثلاث من الملاحظات المختلفة:
أولاً: ينطوي مصطلح تحديد نطاق المنطقة الجغرافية السياسية المزمع مساعدة دولها في الإصلاحات والتنمية على ارتباك واضح عند واضعيه فهو تارة كما "فبركته" واشنطن "الشرق الأوسط الكبير" وتارة أخرى "الشرق الأوسط الموسع" وتارة ثالثة وأخيرة "الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا" وهو المصطلح الذي استقرت عليه كما يبدو قمة "سي إيلاند" وهنا يثار أكثر من سؤال: لماذا سُمي بـ "الشرق الأوسط" ولماذا "الكبير"؟
وإذا كان المقصود بـ "الكبير" إقحام إسرائيل وتركيا وباكستان وأفغانستان وإيران فيه فما الحاجة إلى عطفه بـ "شمال إفريقيا" ألا يمكن أن ينسحب الشرق الأوسط "الكبير" مفهوماً على شمال إفريقيا مادام ينسحب على دول مثل إسرائيل وأفغانستان وإيران وباكستان؟ أو ليست شمال إفريقيا أقرب إلى الشرق الأوسط؟ لكن من هي شمال إفريقيا؟! أليست هي تحديداً دول المغرب العربي؟
والحال أن هذا المصطلح الذي اختارته القمة لم يأت عفوياً بل جاء للالتفاف على مصطلح العالم العربي أو "الوطن العربي" ولا يفسر هذا الالتفاف سوى نوايا مبيتة لإدماج إسرائيل في المنطقة بما أنها "دولة" غير عربية، ذلك بأن إقرار مصطلح "العالم العربي" يفضح وجودها الشاذ والطارئ تاريخياً في المنطقة ولعل أكبر دليل يفضح هذا الالتفاف خلو وثائق القمة من أي توصيات تخص دعم أو تطوير الإصلاحات المختلفة في كل من إسرائيل وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان اللهم إلا في إشارات عابرة أو مجالات محدودة تشير إلى بعض هذه الدول لا كلها·
ثانيا: تأكيد الرغبة المبطنة بعدم خدش مشاعر إسرائيل "الحضارية" وتحسيسها بأنها غريبة شاذة متطفلة على المنطقة العربية، فإنه وعلى الرغم من اعتراف وثيقة "الشراكة" بما تمتلكه الشعوب العربية والإسلامية من "تراث وثقافة غنية بالإنجازات في مجال الحكم والتجارة والعلوم والفنون قدمت مساهمات كثيرة للحضارة الإنسانية" فقد نسب هذا التراث لا لأصحابه المعروفين لكل مؤرخي العالم ومن ضمنهم الغربيون باسم "العرب والمسلمين" بل لشعوب "الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا" بما يعني ضمنيا إدراج إسرائيل ضمن هذا الفضل·
ثالثا: مع أن ثمة إشارات متعددة تضمنتها مقررات ووثائق القمة حول برامج الديمقراطية المزمع تقديمها لدول المنطقة بما في ذلك تعزيز المؤسسات الديمقراطية، ودعم مؤسسات المجتمع المدني، والارتقاء بالشفافية ومكافحة الفساد إلا أن هذه الإشارات خلت من أي ضمانات ولو مبدئية بجدية هذا الدعم واحترام استقلالية قرارات ومواقف تلك المؤسسات العربية حتى لو تعارضت مع سياسات ومواقف الدول الثماني وعلى رأسها الولايات المتحدة ناهيك عن موقف هذه الدول إذا ما اصطدم دعمها لهذه المؤسسات العربية بمواقف حكوماتها·
|