تعد معظم القيادات العربية الحالية من القيادات التي ورثت سياسات مغلقة، والتي تمنحها المجال في الاستمرار في قيادة المجتمع كما هو دون الإضافة، أو التغيير، أو الإصلاح، ومن السياسات التي برأت المجتمع العربي من الكثير من القضايا، هي سياسة اللوم Politics of Blame، حيث تتبع الدول العربية هذه السياسة لتخفف عن عاتقها المسؤوليات وتنزل بالمسؤولية والجرم على السياسات الغربية، فتصبح القيادة العربية هي الضحية لقوة نفوذ السياسة الغربية ومدى تأثيرها على الإعلام الغربي، والذي يعكس لنا صورة عربية مشوهة، ناهيك عن انتقاص الحق العربي، ولكن لنحاول إدارة الدفة، فننظر للعروبة من منظور العالم العربي، وننظر للعالم العربي من منظور العالم الغربي، ونحاول أن نحقق معادلة متوازنة تعطي العالم العربي الصورة الأكبر والأوضح في صدق القيادة·
النظرة الغربية للعالم العربي هي أنه عالم ثالث، وأعتقد أن هذه تكفي لوصف نظرة العالم الغربي لنا، أما بالنسبة للعالم العربي، فنحن ننظر لتاريخ هذا العالم، ونرى أنه الرائد في العلوم، وأن الغرب بنى حضاراته من علومنا، متجاهلين وغاضّين البصر أننا أتينا بتلك العلوم من الحضارات السابقة، وأضفنا عليها، فكان العرب سابقا يعرفون أن البناء يعتمد على البنية التحتية، فأتوا بالعلوم وبنوا عليها الحضارة التي ما زال العربي يتفاخر بها وترد عليه هي بالصدى، فترى الحوار بين العربي وبين "أناه"، وكعرب نحاول نحن تجاهل عدم وجود البنية، نحاول الصمود آملين في أن لا يرى الغرب أو العرب أنفسهم أن عالمهم بني دون بنية تحتية، فسياستنا اختلت فيها الكثير من الأبواب والبنود، ومحي منها باب النقد، وباب الوعي، وباب اتخاذ القرار بدلا من استيراده، فنستمر في سياسة عاجزة متجاهلين عجزها عن إصلاح الحال العربي والرقي به، فتمنعنا عزة نفسنا العربية من الرضوخ للواقع المرير، والاعتراف بجهلنا في إدارة دولنا وشعوبنا فتستمر القيادة في شن حملات تؤهل كل عربي سياسيا على لوم الدول الأخرى دون أن يحمل نفسه أي جزء من المسؤولية لوضعه الحالي المزري·
هناك من العرب من أخلصوا لعروبتهم رغم حملهم الجنسيات الغربية، ووثقوا أعمالهم كمنتج غربي ولكن أصدر من ذات عربية، ومن الناس الذين تحملوا مسؤولية توعية العرب لوضعهم، وتوعية الغرب لسياستهم التي امتازت بالتحيز، والسباقة في تكهنها للوضع العربي هو الباحث إدوارد سعيد، ويبدو واضحا حيث اتخذ موقف الحياد حتى آخر أيامه، مستأصلا مشاعر الكراهية التي ورثته إياها الحضارة العربية ضد الغرب، والصورة البدائية للعرب عند الغرب، وبدأ بدراسة كيف نشأ كلا التصورين، وكيف يمكن للشخص عربيا كان أم غربيا أن ينظر بشمولية للصورة، وكيف بنيت تلك الصورة الجانبية، وهناك الكثير من أمثال إدوارد سعيد الذي أعاد صياغة العلوم وتطوير المنظور البشري·
عملية الإصلاح العربي تبدأ بعزل المشاعر عن القرارات التي تتخذها القيادات، وبناء القرار على أساس منطقي في إطار عربي دون انتقاص للذات العربية فالعربي على قدرة كافية لإنتاج ثقافته الذاتية وتصديرها، وعلى قدرة من الوعي لفهم القضايا العربية وكذلك تصديرها وعلى قدرة من اللباقة في أدب الحديث لتصدير القناعات، كما أن على العرب أن يغيروا من النظرة السائدة في قطع التعاطي مع الواردات الغربية، حيث إننا لا يمكن أن ننتشل العالم العربي من وسط العالم أجمع أو نحاول مسح الوجود الغربي، ولكن بإمكاننا التعاطي مع الأوضاع الحالية، وتعديل الصورة الغربية عن العرب كإرهابيين وتصدير صور تنقلنا من العالم الثالث الى العالم الأول والذي تستحق الذات العربية الأصيلة أن تتواجد فيه، أتمنى أن يعالج كل عربي من تأثير السياسة العمياء المقدمة له، وأن نبدأ في تطبيق عمليات الإصلاح ابتداء بذاتها وسياساتها دون إلقاء اللوم والعتب على الغير، فالعرب هم من أعطى الأمر للغرب في تشويه صورتهم وسياساتهم التي لم يبق منها ما هو كامن حيث أصبحت مكشوفة لا تكلف المتنبئ بأدنى جهد للوصول إليها·
o_alqahtani81@hotmail.com |