قبل أن نتحدث عن الإصلاح السياسي علينا أن نتساءل: كم مسؤولاً في حكومتنا الرشيدة فقد صلاحيته ولم يعد لديه جديد يقدمه؟ كم مسؤولاً تسول له نفسه دائما بارتكاب جرائم الفساد السياسي والمالي وأصبح مجال عمله وكل همه هو الوقوف ضد خطوات الإصلاح السياسي والعمل على إفشال محاولات التصدي إلى سراق المال العام والمنتفعين على حساب المواطن؟ وكم مسؤولاً لا تريد الحكومة محاسبته مهما ارتكب من خطايا وجرائم، ولا تستطيع السلطة التشريعية بتركيبتها الحالية أن تسقطه بسحب الثقة منه؟
فالحكومة تريد أن تحمل المواطن الكويتي مسؤولية الإصلاح الاقتصادي بزيادة أسعار الخدمات الأساسية التي تقدمها وزارات المواصلات والداخلية والكهرباء والماء، ورفع سعر البنزين، وفرض ضرائب الدخل، وإعادة النظر في سياسة الدعم المالي الحكومي للسلع والخدمات، لكنها ترفض أن يحملها المواطن مسؤولية الإصلاح السياسي بتعديل الدوائر الانتخابية وعدم التدخل في سير الانتخابات النيابية، وإعطاء المرأة حقوقها السياسية، وضمان حرية التعبير والصحافة والعمل الشعبي والنقابي هكذا تريد الحكومة معالجة العجز المتزايد في موازنة الدولة على حساب جيب المواطن ومعيشته في ظل غياب المشاركة الشعبية الحقيقية في صنع القرار السياسي·
إنها تريد الشعب الكويتي أن يساهم في إصلاح وضع اقتصادي شاركت هي في تخريبه من خلال دعمها قوى الفساد وسراق مال العام والسكوت عن التجاوزات الإدارية والمالية التي أرهقت ميزانية الدولة·
إن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي يتطلب تصحيح وضع جهاز الدولة الحكومي وإعادة تنظيمه والقضاء على مظاهر الفساد السياسي والإداري من مزاجية ورشوة ومحسوبية وسرقات وهذا مستحيل في ظل وجود سلطة تنفيذية يعشش فيها بعض أصحاب النظرة النفعية الضيقة من السلطة وقوى الفساد في الحكومة الذين تتناقض مصالحهم مع أي توجهات إصلاحية، كما أن استمرار التدخل الحكومي السافر في العملية الانتخابية من خلال دعم نواب الرشوة والخدمات وتشجيعهم على تجاوز القوانين واللوائح في التوظيف والترقية والاختيار للمناصب المسؤولة والحساسة سوف يزيد من إحساس المواطن بالظلم والإجحاف وهضم الحقوق مما يتطلب ذلك منه اتخاذ موقف سلبي رافض للمساهمة في مسيرة إصلاح اقتصادي يكون على حساب جيبه في ظل انعدام مبادىء العدالة وتكافؤ الفرص واستمرار هضم حقوقه الدستورية والسياسية·
إن الإصلاح الاقتصادي يتطلب وجود قدوة سياسية يحتذي بها المواطن، ومثلاً أعلى يقلده في محاربة ظاهرة الإثراء غير المشروع، ونبراساً يتبع خطاه في القضاء على التلاعب والتحايل على القوانين، فلا انفصام بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي، كما أن الأزمة الاقتصادية التي قد تتصاعد وتنذر بمزيد من المخاطر، أكبر من أن يواجهها فرد واحد، أو حكومة وحيدة مهما كانت عبقريتها في ظل قهر الحريات والتضييق على المجال الديمقراطي السليم، لذلك لا نريد المستحيل إن طالبنا السلطة السياسية بأن تبحث فورا ضرورة تغيير الأوضاع السياسية قبل مطالبة الشعب الكويتي بالإصلاح الاقتصادي، تمشيا مع الموجة العالمية الطاغية بالتغيير الديمقراطي فكرا وسلوكا وممارسة· |