العالم العربي اليوم - وبسبب حالة الضعف الشديد غير المسبوق على مستوى الأمة حاليا - يمر بحال غريبة من حالات ضياع الأراضي، وضياع الحقوق الجماهيرية، وضياع المصالح الاقتصادية، وحتى ضياع المفاهيم المشتركة التي قد تساعدنا على مجرد وجود أرضيات مشتركة موحدة للتفاهم والحوار سياسيا واجتماعيا وثقافيا على المستوى الداخلي البيني·
والأغرب من ذلك، هو "وجود" تلك الأرضية المشتركة فيما يمكننا أن نسميه بالتحاور والتفاهم مع الآخر!! حيث إن التفاهم البينيّ الداخليّ يتطلب أول ما يتطلب، وجود "طرفين" يتكلمان·· وليس طرف يتكلم، والآخر "يردد" بكلمة واحدة: "حاضر·· أمرك"!!
فمن ضمن المفاهيم التي لا ينبغي أن تكون موضع خلاف، أو حتى موضع لَبْس أو غموض، لدى الأمم "الصجيّة!" هو مفهوم "الحكومة الوطنية"·
فعندما تقوم قوة احتلال، مثلا، بتنصيب "حكومة" تنتمي وراثيا الى آباء من أبناء ذلك البلد الذي يعاني من الاحتلال، فهل يمكننا أن نطلق على تلك الحكومة التي تنتمي جينيا الى البلد الواقع تحت الاحتلال، وتنتمي سياسيا الى الدولة التي تقوم هي نفسها باحتلال ذلك البلد حكومة وطنية·· وهل ينبغي عد تلك الحكومة حكومة وطنية لأن رئيسها مولود في البلد الخاضع للاحتلال؟
أم أن مفهوم الحكومة الوطنية ينبغي أن يكون مفهوما أوسع وأدق من ذلك؟ بمعنى أن الحكومة الوطنية ينبغي أن ندعوها بهذا المصطلح "إذا" كانت منتخبة من الشعب، وبذلك تعد ممثلة للأغلبية السياسية من السكان بعد استطلاع رأي الجماهير عبر انتخابات نزيهة!
المشكلة الأساسية، هي أن العالم العربي، والإسلامي أيضا بالتأكيد، مقبل على مرحلة أسوأ من الواقع الحالي، بسبب عدم تحديد هذه المفاهيم على نحو واضح ودقيق، إذ إن ادعاء كل من هب ودب، وكل من أمسك بزمام الأمور في بعض بلادنا ممتطيا خيول الغزاة الأغراب ودباباتهم، أنه هو "الحكومة الوطنية"، ويستغل ذلك في كل الأمور السيئة التي لا نستثني منها سفك دماء المواطنين بأوامر من المحتلين·· سوف يجعلنا ننتقل من أحوالنا الكارثية الحالية الى ما هو أسوأ منها حتما، تماما كما قال البحتري في بيته الذي يسري عجزه مثلا بين الناس:
المستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار!!
drjr@taleea.com |