نعاني في وطن - يحبه الجميع ولا يتفانى في خدمته الجميع - من أزمة مستشرية تنخر في جسد جميع مؤسسات وهيئات الدولة، مما أدى إلى تراجع بل انعدام الحد الأدنى من الأداء التنفيذي والنتاج الاجتماعي والسياسي، إنها أزمة غياب مجموعة من القيم والمبادىء والأصول الكفيلة بتسيير الأنظمة الحكومية على أكمل وجه، وتطور الأنماط الاجتماعية بشكل إيجابي إلى حد ما، وإن قمنا بتحليل وإرجاع الأزمة إلى أصولها، نجد وبالعين المجردة أنها عبارة عن جملة ظواهر سلبية تؤدي بمجموعها إلى طفو عوامل قلق وأرق على خارطة المجتمع·

فمبادئ تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، والرجل المناسب في المكان المناسب، والمساواة بين جميع فئات الشعب، وتجديد القيادات، والقضاء على البيروقراطية والديماغوجية، وإعطاء جيل الشباب جميع حقوقه وإخراجه من دوامة الإحباط والكبت ومنحه الفرصة للتعبير عن ذاته، مبادئ نفتقدها كشعب كويتي لديه الإمكانات البشرية الخصبة والمقومات المادية الوافرة لتحقيق كل ما ينقصه، وخلق إنسان كويتي واع وفعال·

ولعل المسؤول عن هذه الأزمة "الشجرة" التي تتشكل من كل ما سبق ذكره، هو كل من يعتبر جزء من المجتمع الكويتي وجزء من الجهاز التنفيذي في هذا البلد من مواطنين ومقيمين، وعلينا أن نجزم بدور النخب السياسية والاجتماعية الأساسية برفع سقف الوعي الشعبي تجاه هذه المعضلة، إن كانت هذه النخب صادقة النوايا بإعطاء صفة الضرورة والأولوية للمصالح الوطنية·

حل أزمة الوطن المتشعبة والمعقدة يكمن في الاعتراف بالمشكلة كمشكلة ومن ثم الإيمان بها والعمل على تقويم فكر إنساني وأسلوب حياة كان يوما من الأيام غير قويم، وذلك لن يتحقق إلا بتكاتف الجهود، ولن نجني ثمار ذلك إلا بعد فترة طويلة من الزمن، فهل نبدأ من اليوم أو غدا رحلة إصلاح شاقة؟ أم أننا نحتاج إلى هزات ومآسٍ أخرى لنتعظ؟!

تنافس المخاليق في هذا الوطن في التسبب بأزمات عاصفة، فمن أزمات فنية تنفيذية بحتة إلى أزمات فكرية، وتوجهات نحو أزمات سياسية لا يرتكبها تلميذ سنة أولى سياسة متى سنتعلم من أخطائنا وأخطاء غيرنا الفادحة؟ ومتى نتعلم كيف نحب الكويت فعلا لا قولا فقط ولا بالأغاني الوطنية والشعارات الفارغة والصراخ الأجوف؟! ولعلنا قادرون على إبصار النور من بعيد، فليتنا نسعى إليه، ليشرق في وطننا يوم جديد!!