رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 رجب 1425هـ - 25 أغسطس 2004
العدد 1642

ألفـــاظ و معـــان
حكاية التكنولوجيا وثورتها(1)
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله

جاءت حكومة الدكتور نظيف على صورة رئيسها رافعة شعارات يمكن إيجازها في مفهوم أن لا سبيل للتنمية السريعة إلا بالتحول الى "مجتمع معلومات" فلدى الحكومة إيمان بأن المستقبل رهن بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات·

ولتقدير هذا المنهج لا بد من التذكير بحقائق ثابتة يجب أخذها في الاعتبار في العالم الثالث:

1 - الإنسان هو صانع الآلة ومحركها، وليس العكس، وأكبر حاسب آلي في العالم وأقواها يظل جثة هامدة إذا لم يتوفر على تشغيله فريق من البشر الذين يعرفون كل شيء عنه وعن إمكاناته، والقادرين على استخدامه على أوفى قدر، وقد يبدو لأول وهلة أن تلك الحقيقة واضحة وضوح الشمس في سماء صافية ولكن الواقع المر هو أن معظم الناس في بلادنا، كما في معظم بلدان العالم الثالث، يتوهمون أن الآلة في ذاتها هي المبدع وأن اقتناءها دليل على الانتماء الى فئة العارفين بتكنولوجيا العصر، وأرى حولنا أن كل شخص يحسب نفسه مهما يضع على مكتبه أو بجواره حاسبا آليا حديث الصنعة وهو عاجز عن مجرد كتابة اسمه على هذه الآلة العجيبة، فالحاسب الآلي هنا عاطل كقطعة أثاث تزين حجرة المكتب· أما الحاسبات في حجر السكرتارية فهي لا تستخدم بين قدراتها المتعددة إلا في معالجة الكلمات word processing كما لو كانت أحدث أشكال الآلة الكاتبة، أما البرمجيات "أو التكنولوجيا الناعمة" فلا تدري الجالسات أمامها عنها شيئا يذكر، وفي تقديري أن مجموع الحواسب المتوافرة في مصر "وما أكثرها" لا يستعمل إلا في حدود %10 من طاقته، ويؤكد ذلك أن الآلة المسماة "معالج الكلمات" غير معروفة على شواطئ النيل، وبالتالي تكون أول خطوة على طريق التحول الى مجتمع المعلومات هي إعداد العنصر البشري علميا وعمليا في كل ما يتعلق بالحاسب الآلي وبصفة خاصة البرمجيات وأنساق المعلومات·

2 - الحديث عن نقل التكنولوجيا محض هراء، فما تعطينا الشركات الأجنبية أو عملاؤها عند شراء آلة يتركز في كيف تستخدمها، أما كيف تصنعها فذلك سر باهظ الثمن تحميه قوانين الملكية الفكرية، إنه يشبه كراسة التعليمات التي يتسملها مشتري سيارة جديدة: إذا أردت كذا فاضغط على هذا الزر، وإذا أردت غيره فاضغط على ذاك، وإذا أردت تهدئة السرعة فدُس على هذا المفتاح·· إلخ· وإذا أتت السيارة بصوت كذا فتوقف، وفيما عداه اذهب الى "الميكانيكي"، ولنا أن نتخيل لو كان كل من يقود سيارة يعرف كيف يصنعها كم كنا لنشكو من كثرة العمالة المؤهلة··! ويلحق بهذا موضوع التدريب· فكما جاء في بعض منشورات الاسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا) يقتصر تدريب الشخص عادة على عملية واحدة أو نوع واحد من العمليات دون أساس نظري، ودون إلمام بباقي العمليات الممكنة·

3 - من المعروف أن كل تقدم تكنولوجي يعني زيادة في إنتاجية العمل، وبالتالي تناقص الطلب على العمالة، ومن يتابع أخبار عمليات الدمج والاستحواذ وإعادة الهيكلة في عالم الشركات متعدية الجنسية، أو حتى الشركات الكبيرة الأخرى يرى أن كلا منها تصطحب بتسريح بضعة آلاف من العاملين ولا سيما أولئك المشتغلون بالأعمال الإدارية والمكتبية، والجديد في هذا الأمر هو أن الثورة العلمية والتكنولوجية الثانية قد أفرزت آلات تؤدي عمليات ذهنية وليس فقط عمليات جسدية، كما فعلت الثورة الصناعية الأولى، ومن ثم فالاستغناء المعاصر يشمل العمالة المؤهلة والكوادر الفنية والإدارية، ومن ناحية أخرى التعامل مع آلات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات يقتضي تأهيلا عاليا لدى العاملين، وهكذا تستثني شركات "الاقتصاد الجديد" تدريجيا عن "بروليتاريا الياقات الزرقاء" وتعتمد على "بروليتاريا الياقات البيضاء"· ومن المعروف كذلك أن غالبية دول العالم الثالث تعاني من بطالة مزمنة، وهذه البطالة ليست مشكلة اجتماعية فحسب، ولكنها أيضا عقبة في طريق التنمية المطردة لأنها تعني أن جزءا مهما من الموارد البشرية "وهي في بلد مثل مصر فقير في الموارد الطبيعية أهم عوامل التنمية" يبقى معطلا وعبئا على المجتمع ويضيف الى حجم البطالة والفقر، وبالتالي ليس كل جديد في التكنولوجيا هو الأفضل دائما لكثير من هذه البلدان، ومن ثم صاغ بعض مفكري العالم الثالث مفهوم التكنولوجيا الملائمة التي تناسب حركة التنمية الشاملة في كل بلد بموازنة بين كثيف العمالة وكثيف رأس المال في كل حالة بالتدقيق في الآثار غير المباشرة لكل تقنية، وهكذا يكون لكل بلد "خلطة تكنولوجية" توفر الاستخدام الأمثل لمواردها، وهذا ما لا يتحقق مع مصانع "تسليم المفتاح" أو الاعتماد على شريك أجنبي في توريد التقنية بل لا بد من بناء قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية وتشجيع أعمال "البحث والتطوير"·

4 - ظاهرة "مجتمع المعلومات" مرتبطة بظاهرة "الكوكبة" وأداة رئيسية فيها، فليس من المتصور أن تدير شركة متعدية الجنسية فروعها المنتشرة في عشرات الدول بالأساليب الإدارية والبيروقراطية والإجراءات الورقية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات توفر لها حفظ واسترجاع البيانات وإلغاء المسافات الجغرافية، وبالتالي تطورت التقنيات الإلكترونية بسرعة برعاية الرأسمالية الكوكبية من ناحية، وآلة الحرب بالوسائل الحديثة من ناحية أخرى·

وليس هنا مقام تحليل الكوكبة وبيان آثارها، ونكتفي بالتذكير بأنها ظاهرة داروينية تعلي مبدأ البقاء للأصلح، والشقاء للأضعف، وفي ظلها زادت الفجوة بين أفقر الدول وأغناها بما لم يسبق له مثيل، ومن العبث البيِّن أن تنتظر من الشركات الكوكبية المسيطرة على الاقتصاد الجديد أن تساعدنا على دخول مجتمع المعلومات فيما وراء ما يدخل في وسائل التسويق الحديثة لمنتجاتها (انظر حالة الهاتف الخلوي)·

�����
   

أبعد من خليفة ونجمة:
سعود راشد العنزي
بصراحة:
مسعود راشد العميري
حكاية التكنولوجيا وثورتها(1):
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
سمعت وما "شفت":
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
فضيلة التخلف!:
فهد راشد المطيري
مسألة رفع سعر الخصم!:
عامر ذياب التميمي
الغلاء·· والقطاع الخاص:
المحامي نايف بدر العتيبي
محطات في حرب التحرير:
عبدالله عيسى الموسوي
خلط المفاهيم بين الديمقراطية والعلمانية:
كامل عبدالحميد الفرس
أزمة وطن:
د. سامي عبدالعزيز المانع
ما هو مفهوم الحكومة الوطنية؟:
د. جلال محمد آل رشيد
تجربة نضالية مثيرة أمام البيت الأبيض!:
رضي السماك
الانتخابات العراقية·· مفتاح العملية الدستورية:
حميد المالكي