الشعب الأمريكي هو واحد من أطيب شعوب العالم الغربي، تلك حقيقة لا مراء فيها، يقرها كل من قدر له أن يحتك أويختلط بهذا الشعب أوبعينة منه لفترة أو برهة من الزمن قصرت أم طالت، تلك حقيقة لا يختلف عليها اثنان ولا ينكرها إلا مكابر بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي السائد في الولايات المتحدة، وثوابت سياساته التي غالبا ما تولد سياساتها الكونية المبنية على خدمة المصالح الضيقة للطُغم المالية والاحتكارات والشركات الكبرى على حساب مصالح شعوب العالم مواقف وشعورا بالكراهية تجاه الإدارات الأمريكية المتعاقبة في بعض الأحيان وتجاه الولايات المتحدة برمتها نظاما وشعبا وثقافة في معظم الأحيان، أي دون تمييز بين أمريكا النظام والسلطة وأخطبوط المال والاحتكارات اللذين يعبر عنهما ذلك النظام وبين أمريكا الشعب والفئات المسحوقة والوسطى والنخب المثقفة والسياسية المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني·
وكل هذه الشرائح والمؤسسات والفئات هي نفسها ضحية كما نحن - العرب - للنظام السياسي السائد المتمكن من ديمومة بسط سيطرته والمحافظة على آليات تجديد نفسه بما يحميه من مخاطر الدمقرطة الجذرية الشاملة التي تتيح التعبير عن شعبه تعبيرا كاملا وخصوصا عن فئاته وشرائحه الطيبة المهمشة التي تشكل السواد الأعظم من هذا الشعب·
ومهمة الوصول إلى هذه الشرائح والفئات والنخب والمؤسسات مازالت هي الإشكالية العويصة التي تواجه العرب وكل الشعوب المنكوبة بمظالم واستبداد السياسة الخارجية الأمريكية مثلما هي ذات الإشكالية التي تواجه النخب والمؤسسات الأمريكية الواعية بتلك المظالم·
وإذا كان البعد الجغرافي الشاسع للولايات المتحدة عن معظم قارات وبلدان العالم يلعب دورا في جهل الشعب الأمريكي بقضايا شعوب العالم المصيرية وتاريخها وحضاراتها فإن النظام السياسي السائد وأدواته الضاربة في الإعلام والتعليم يلعب هو الآخر دورا في تجهيل هذا الشعب بما يدور في العالم، ونكتفي بضرب ثلاثة أمثلة من الوقائع التي جرت منذ فترة وجيزة·
الأول: ما أشار إليه الدكتور مارك سيجمان المسؤول السابق في "السي·أي· إيه" إن معظم الأمريكيين ليس لديهم فكرة دقيقة وفاحصة لمعنى الإرهاب وشبكته غير ما تصوره لهم وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى المتحكمة في عقولهم·
الثاني: أظهرت دراسة استبيانية تزايد معدلات ظاهرة الغش في المدارس الأمريكية·
الثالث: إعلان نتائج دراسات أجريت بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 بأن الشباب الأمريكي مازال يرزح في جهل كبير للعالم وثقافاته وحضاراته، فقد اتضح أن أربعة من أصل عشرة طلاب في المدارس الثانوية لا يعرفون اسم المحيط الذي يفصل بين بلادهم وآسيا، وثمانية من أصل عشرة طلاب يجهلون أن الهند أكبر ديمقراطية في العالم، كما يجهلون أن ماوتسي تونج هو مؤسس جمهورية الصين الشعبية، كما أن المدرسين غير مهيئين لمد الطلاب بالحقائق المتغيرة·
وإذ يناشد الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك كبريات الشبكات الإعلامية الأمريكية توخي الحرص في نقل الحقيقة للأمريكيين بما يجري في العالم وخصوصا في العراق والشرق الأوسط فإن التساؤلات التي تفرض نفسها هنا:
إلى متى سيظل العرب عاجزين عن خلق لوبي ضاغط موال لهم داخل الولايات المتحدة يستند إلى فاعلية اتصالهم وعلاقاتهم بالشرائح والنخب والمؤسسات الأمريكية المهمشة؟ وإلى متى سيظل العرب الأمريكيون داخل الولايات المتحدة من جهتهم عاجزين عن توحيد تكتلاتهم ومواقفهم وتفعيل علاقاتهم السياسية والاجتماعية مع تلك الشرائح والنخب الأمريكية المهمشة نفسها؟!
ü كاتب بحريني |