رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 رجب 1425هـ - 1 سبتمبر 2004
العدد 1643

ألفـــاظ و معـــان
حكاية التكنولوجيا وثورتها(2)
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله

في ضوء الحقائق السابقة يتضح أن البحث عن الطريق الى مجتمع المعلومات يبدأ بمحاولة التعرف على أولويات التنمية في الدول المعنية وتفادي المحاكاة العمياء لما يجري في الدول المتقدمة، كما أن اقتناء الآلات واستقدام الخبراء الأجانب والترحيب المبالغ فيه بالشركات متعدية الجنسية لا تغني بأية حال عن توفير العدد الكبير من المواطنين العارفين القادرين لا فقط على المحاكاة وإنما أساسا على الإبداع·

1 - التعليم والتدريب: ولا نعني هنا بالتعليم مجرد وضع حاسوب في كل مدرسة، وإنما استخدام الحاسوب في التدريس وفي التوصل بمشاركة الدارسين الى حلول مختلفة عن تلك الواردة في كتب النصوص· ويصاحب هذا منذ البداية الاهتمام بجذب الدارسين نحو العلوم الطبيعية وبصفة خاصة الرياضيات حتى يتحول الحاسوب والإنترنت الى أداة حقيقية للتعلم الذاتي وزيادة المعارف واكتساب المهارات، ولا يكتمل هذا الجهد إلا إذا كان معظم المعلمين في مختلف المواد على دراية معقولة بمبادئ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما يجب أن يكون التعليم عن بعد وتقنية "التلوكونفرس" جزءا من حياة كل مدرسة حتى تكتسب المعارف بعدا ملموسا Concrete ولا تبقى مجردة مبهمة، كيف يدرس الطالب بعضا من تاريخ مصر الفراعنة من دون أن يرى تمثالا أو يزور معبدا مما خلفه لنا السلف النابه؟ حتى ابن الصعيد الأعلى يمكن أن يظل طول حياته من دون أن يرى أهرام الجيزة إحدى عجائب الدنيا السبع!·

وبهذا الانتشار التعليمي الواسع يمكن لبلادنا أن تفرز المتخصصين القادرين لا سيما في مجال البرمجيات، والهند لا تكتفي بأن تكون ثاني مصدر للبرمجيات في العالم، بل تصدر كذلك فائض المبرمجين، وفي العام الماضي طلب المستشار الألماني من البرلمان تسهيلات خاصة لمنح تأشيرات الدخول والإقامة لاستقدام عشرين ألف شاب وشابة من الهند تحتاجهم صناعة المعلومات والاتصالات في ألمانيا، الهند "الفقيرة المتخلفة" - كما يظن الناس في بلادنا - تقدم مساعدة فنية في مجال التكنولجيا الرفيعة لألمانيا الدولة الصناعية الكبرى·

إن المشكلات الفنية التي لا بد من حلها لتطويع تكنولوجيا ولدت في مجتمعات متقدمة لأهداف التنمية في بلد نام متعددة تستدعي الكثير من الإبداع العلمي والتقني· كما أننا لا بد أن نواجه بالدرس والبحث مشكلة النغمة المستخدمة في مجال المعلومات والاتصالات لأنه من الصعب أن يتصور المرء أن أغلبية العرب ستملك ناصية لغة شكسبير!·

2 - قواعد البيانات: والدعوة الى التعليم والتدريب والدرس والبحث والتجديد والإبداع لا تعني تأخير الممارسة الى أجل بعيد· ففي تقديري أن ثمة مجالات يحتاج البحث والتنمية فيها استخدام التقنيات الحديثة، وأعتقد أن في رأس تلك المجالات قواعد البيانات· ولا أعني هنا ما يمكن أن تملكه البنوك والشركات، ولكن أعني تلك التي تضم البيانات الرقمية المهمة عن الاقتصاد والمجتمع، ويعرف الباحثون في العلوم الاجتماعية في مصر المشكلة المزمنة التي تحول دون دق التحاليل وسلامة النتائج "لا توجد بيانات"· وقد توجد بيانات عند بعض الجهات الحكومية ولكنها مجزأة أو قديمة، أو ترفض الجهة تمكين الباحثين من الاطلاع عليها· ومعنى عدم وجود بيانات أن كثيرا من القرارات تؤخذ والمتاح لها من معلومات يدور حول كلمة "تقريبا" شائعة الاستخدام في مصر· إن مجتمعاتنا في حاجة الى ثورة ثقافية من أهم جوانبها إعمال العقل والتعبير الكمي عن مختلف الظواهر الذي يفتح باب المعالجة الرياضية·

والى جانب الهيئات الإحصائية من اليسير والمفيد للباحثين توفير قواعد البيانات في المكتبات العامة والمتاحف وإتاحتها لجمهور الراغبين في العلم·

3 - الفقر والحرمان: يصعب أن نتصور استقرار وتقدم مجتمع منقسم في الواقع الى اثنين· النخبة التي تملك الثروة وتشتري المعرفة مولعة بكل المنتجات السلعية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أو كما يقال بالإنجليزية From Goods & Gadgets وتتباهى بتملكها من الهاتف الخلوي الى برامج إباحية على الإنترنت، وذلك في مقابلة أغلبية تعيش مستويات متفاوتة من الفقر والحرمان· ولا تطرد المعرفة المتجددة والمتزايدة إلا في مجتمع تسوده الديمقراطية وقدر من العدالة الاجتماعية تتدنى بأعداد من يعيشون تحت حد الفقر المعمول به في بلدهم· ومن سمات التخلف تواضع حجم الطبقة الوسطى وضعف نفوذها السياسي في ظل حكومات رجعية المنشأ والسلوك أو ديكتاتوريات تدعي الحداثة، والأرقام التي تظهر حجم الفقر في بلادنا معروفة· ومن ثم لن أطيل في ذكرها· واكتفي بالقليل الذي يعني الكثير· وأبدأ بأن الفقر ليس تدني الدخل فحسب، وإنما ندرك معناه الحقيقي بصنوف الحرمان التي يتعرض لها الفقير· فهو محروم من التغذية المناسبة، ومن السكن الذي يستحق هذا الاسم "كالعيش محشورا في غرفة متواضعة المساحة ينام فيها ومعه خمسة أو ستة أشخاص) ومن التعليم (الأمية بين الشباب وخصوصا الفتيات) والرعاية الصحية الأساسية· فهو يعيش في مثلث الفقر والجهل والمرض· ويزيد حجم البطالة المزمنة (نحو %18 في المنطقة العربية) في اتساع دائرة الفقر· في حين يكون المواطن المؤهل أصلا إنتاجيا في الاقتصاد القومي إذا وفر له المجتمع فرصة عمل، يكون المواطن الجاهل عبئا على المجتمع· وأما ما يسميه البعض الفقر النسبي فهو ليس من طبيعة مختلفة وإنما من درجة أخف: كحضور المدرسة الإبتدائية، أو التطعيم ضد أمراض الطفولة، أو إتاحة قدر متواضع ضمن غذائه من البروتينات الحيوانية·· إلخ· وما فوق هذا هو حد الفقر· ويضاف الى أدنى السلم عادة بعض الأقليات المظلومة أو طالبي العمل من الغرباء· هل يمكن أن تكون هذه الأعداد الغفيرة من المحرومين سوقا للحاسوب والهاتف الخلوي أو لمواقع على www؟

علينا في كل بلاد العالم الثالث أن ندرس ونبحث كيف نقدم من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خدمات نافعة للفقراء، للأخذ بأيديهم الى عمل مثمر يدر دخلا كافيا وخدمات عينية جيدة؟ أم ستترك الملايين من مواطنين لا يأملون إلا في إحسان فاعلي الخير من مواطنيهم أو ينجح في إرساله إليهم "بعيدا عن الحكومات ما أمكن" مشفقون من مواطني الدول الغنية؟ ثمة محاولات لافتة في بعض بلدان العالم الثالث· فالهند مثلا استخدمت معرفتها بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعلوم الفضاء في تشغيل قمر صناعي باتصالات هاتفية ليمكن أي فلاح من الاستفسار عن حل كل مشكلة زراعية تواجهه وتلقي الرد فورا· وشغلت قمرا آخر في إعلام الصيادين في بحر العرب والمحيط الهندي عن مواقع تجمع الأسماك· وهي حاليا تعد قمرا للاتصالات الطبية بين المستشفيات والكليات ومراكز البحث المختصة للاستشارات الطبية بين الشبكة كلها وبين وحداتها والمواطنين·

إن الأقطار العربية كمجموعة لا تعاني من قلة الباحثين القادرين على عمليات البحث والتطوير، ولكن الأبحاث تكاد تكون معدومة لعدم وجود أي طلب اجتماعي على منتجاتها وبالتالي انعدام التمويل اللازم·

وبعد فإن عبارات مثل "القرية الذكية" والحكومة الالكترونية و"حاسب في كل بيت" تصلح فقط لتسويق منتجات الشركات متعدية الجنسية، وهي لا تعني أي شيء في نظر العشرين مليون أمي من الجنسين·

�����
   

لجنة حقوق الإنسان:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
إلى سمو رئيس مجلس الوزراء·· من القلب:
د·أحمد سامي المنيس
حكاية التكنولوجيا وثورتها(2):
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
عورني قلبي من الحكومة العنصرية:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
أعداء حقوق الإنسان:
فهد راشد المطيري
ثقافة أزمات!:
عامر ذياب التميمي
همسة في آذان السامعين··:
مسعود راشد العميري
المستفيدون من جولة الشيخ صباح:
عبدالله بو عجيم
الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان ويوم التهاني:
فيصل العلاطي
الى دعاة "الواقعية":
عبدالله عيسى الموسوي
هل تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة؟!:
يحيى علامو
برتقالة الدكتور مصطفى جواد!:
حميد المالكي
الشعب الأمريكي بين الجهل والتجهيل:
رضي السماك