إن حالة الحرب أو التهديد المتواصل بشن الحرب هي من العناصر الرئيسة للزعزعة التامة للقيم الإنسانية، والمتطرفون من أرباب الفكر الديني يبذلون كل ما في وسعهم لغرس قيم الكراهية في القلوب والرغبة في الفتك والقتل والدمار، وفتاواهم الدينية مسخت الصفة الإنسانية عند المسلمين، فتمجِّد الإرهابي وتصفه بالشهيد، والنتيجة أن تحولت صورتنا أمام العالم إلى لصوص، ومخربين، ورجال عصابات، ومختطفي طائرات، وحازين لرقاب الأبرياء· لقد استغلت هذه الفتاوى الدينية تدني مستوى الوعي والفهم عند الشباب المسلم مع بروز ظاهرة ما يسمى "بالصحوة الإسلامية" التي ترافق معها انتشار ممارسات الدجل والشعوذة، وإيهام الشباب المسلم بكرامات مشابهة لكرامات المجاهدين من الأفغان والعرب في أثناء حربهم مع السوفييت، فتحولها طائرات الآباشي وصواريخ كروز إلى خرافات وخزعبلات وهزائم في تورا بورا والفلوجة ومدن الإرهاب الأخرى·
هذه حال المسلمين منذ إخفاقهم في منع تأسيس الدولة اليهودية عام 1948، لم تحقق لهم مئات الملايين من الخطب الدينية والدعوات الجهادية إلا المزيد من الهزائم والانتكاسات المتكررة، وتراجع في قيم المحبة والتسامح والإخاء مع البشرية جمعاء فمجتمعنا لا يحتاج إلى صحوة إسلامية على شاكلة جماعة طالبان وقاعدة بن لادن "ونواب أمتهم" الكويتيين، فهي صحوة للخوف والكبت والقمع، تتعمق فيها علاقات الكراهية، والحقد والحقد المتبادل، ونزعة السلطة، وتتسلط فيها الدولة باسم الدين على الشعب لتكون شديدة عليه، فيتحول أفراده إلى أناس دونيين، أذلاء، ومنكفئين عن المشاركة في بناء الوطن، وبالتالي هو مجتمع غير قادر على صنع حضارة حقيقية متقدمة بأي معنى من المعاني كما حدث في أفغانستان والسودان ودول الفكر الديني الأخرى فالوقائع والتاريخ وتجارب البشرية أثبتت أن الدولة التي توفر للإنسان الشروط الأساسية للإنتاج والإبداع والانطلاق هي الدولة المدنية المؤسساتية، دولة الحريات العامة، وحرية الرأي والتعبير، والتعددية السياسية، لا دولة الأيديولوجيات الدينية المغلقة المفروضة بسلاح التأويلات الدينية التي تعشعش فيها مظاهر القهر والحرمان والجوع النفسي والفكري والاجتماعي، كما أن المواعظ والخطب والشعارات الرنانة لن تقود الأمة إلى الفضيلة والفلاح مادام البعض من مدعي الفضيلة من أصحاب الفكر الديني هم أنفسهم المستغلون والانتهازيون الذين يعيثون فسادا وخرابا في جسد الأمة من خلال كسر القوانين واللوائح، وينحازون في مواقفهم السياسية إلى من يتلاعب بمقدرات الأمة، ولا يقيمون بذلك أي وزن أو اعتبار للقيم الأخلاقية والإنسانية في الحياة·
almonayyes@taleea.com |