في عصر تشابكت فيه المصالح وتعقدت فيه العلاقات الدولية، أصبح الحوار بين الأمم ضرورة ملحة في ضوء هذه الشبكة الكبيرة من التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويتطلب هذا الأمر توافر مناخ مناسب للحوار ينأى عن الأحكام المسبقة التي تعمل على إلغاء الآخر أو استبعاده أو التقليل من شأنه، أو الادعاء باحتكار الحق دونه، فالحوار بين الأمم لا بد أن ينطلق من الاحترام المتبادل، ومن نظرة إنسانية شاملة تقوم على احترام الكرامة الإنسانية ووحدة الجنس البشري، كما أنه في ظل شيوع القيم والآليات الديمقراطية، ودولة القانون ومبادئ حقوق الإنسان لم يعد مقبولا عولميا ومجتمعيا التمييز بين مواطني الدولة الواحدة على أسس دينية وطائفية، لكن في دولة الحكم الديني التي توظف التراث الديني الثقافي في تحديد هوية "النحن الدينية" إزاء "الآخرين"، ستتعاظم أدوار ونفوذ المؤسسات الدينية وقياداتها في العلاقات الدولية ونزاعاتها مما يهدد الأمن العالمي ويزعزع الاستقرار الاجتماعي للشعوب لأن الدين سيصبح وسيلة لإضفاء القداسة على الصراعات حول المصالح، وإضفاء الشرعية على المواقف السياسية لتبرير الحروب وسفك دم الأبرياء، فنحن في الكويت رأينا كيف يقوم بعض نواب التيار الديني ومنظري الأصولية باستخدام الدين كأداة سياسية في خلق تعبئة دينية ضد خصومهم السياسيين سواء داخل أو خارج الحكومة، وتحويل الأزمات السياسية للتغطية على مشاكل متفجرة داخل تنظيماتهم السياسية، فمن الواضح أن الدين الإسلامي تحول عند البعض من رموز التيار الديني إلى قناع لإخفاء صراعات المصالح، ووسيلة في صناعة الكراهية عن طريق التأويلات السلبية للنصوص الدينية إزاء الآخرين، بالرغم من استخدامهم خطاب المجاملات وأكلشيهات التسامح والحوار التي تحولت إلى مجرد لغة خشبية للاستهلاك الإعلامي، لكن في حقيقة الأمر التناقض واضح بين أقوالهم وأفعالهم، إن نظام الحكم الذي يستند إلى مبدأ "فصل الدين عن الدولة" سيفتح الطريق أمام نهاية الأدوار النمطية لرجال الدين ومؤسساتهم، ويلغي الأوصاف التقليدية التي تنعت العلاقات الإنسانية والمفاهيم العلمية والاكتشافات التقنية المذهلة في مجال العلوم والصناعة في نطاق الحلال والحرام، ومثالها الأقرب طفل الأنابيب الذي كان حراما ثم أصبح بقدرة قادر حلالا إسلاميا·
ففي ظل مبدأ الفصل ستتشكل هويات جديدة تحترم قواعد العولمة وحقوق الإنسان وحرية السوق وتداول السلع والخدمات وحرية الإنتاج والضمائر والأديان، وهذا هو المسار الصحيح للتطهر من حالة الفوضى التي يعيشها الإسلام·
|