المعروف أن الدين الإسلامي له تأثير كبير في المجتمع الكويتي من حيث إنه مصدر للقيم والسلوك الاجتماعي، كما أنه من الواضح هذا الحضور الطاغي لمظاهر التدين العلنية المتداخلة في كل مناحي الحياة ولغة التعامل اليومي ومفرداته، والغريب في الأمر أن هذا الحضور الطاغي لمظاهر التدين تصاحبه في واقع الأمر حالة أصبح فيها الفساد في أبسط المعاملات اليومية بين الناس القاعدة وليس الاستثناء، وكان يفترض أن خطب المساجد في كل يوم جمعة، وخطب المناسبات الدينية وما تحتويها من عبارات دينية تهذب الروح وتقوي الإيمان وتحث على الأخلاق والشرف والصدق والأمانة والعدل، أن تجعل المجتمع الكويتي (الغني) من خيرة المجتمعات الإسلامية، ولكن واقع الحال يقول إنه ليس كذلك بالقطع، والسبب بأن كل هذه القـيم والمبادئ لا نلمس لها تأثير على السلوك الاجتماعي، وظلت مؤطرة على المستوى النظري فقط، فالثقافة العامة في الكويت تستند الى سيادة الروح الطائفية والمناطقية والقبلية، كما أن ضمور الحس الوطني عند بعض كبار المسؤولين والمواطنين، وتبدل المفاهيم والقيم النبيلة ليصبح الفساد شطارة وذكاء، والرشوة التي يحرمها الدين على منابر المساجد (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) أصبحت (مساعدة مالية) أو (فيتامين واو) أو (دهن سير)، فهذه التناقضات خلقت تشوهات اجتماعية ودروشة شاملة للمجتمع استخدمت كبديل عن الدين الحقيقي وهو "المعاملة"، إن مستوى الاقتناع بقيم العدالة والنزاهة والأمانة عند الكثير من الكويتيين انحسر الى مجرد الانغماس الشكلي بكل المظاهر والشعائر الدينية الممكنة للتكفير عن سقطاتهم اليومية، فكلما قل وضمر الدين الحقيقي داخل الإنسان، زاد وطغى صخب التدين الى درجة الهوس، فكم امرأة متحجبة أو منقبة تتحايل على قوانين العمل باختلاق أعذار طبية واهية للتغيب عن العمل، فهي ببساطة ارتضت الأكل الحرام من مال الدولة ما دام الأمر يتعلق بمصالحها الشخصية ولم يردعها الحرص الشديد على المظهر الإسلامي، وكم من رموز العمل الديني سخروا جهاز الخدمة العامة للدولة لتنفيع جماعتهم وربعهم، واحتكموا الى العلاقات القرابية والمناطقية والمذهبية، وليس الى قانون الكفاءة والعدل وتكافؤ الفرص، وكم من نائب ديني مارس الفساد السياسي والمالي بأشكال مختلفة دون رادع ديني والله يقول في كتابه الكريم "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار"، إن الانتشار الشكلي لمظاهر التدين مع غياب التطبيق الفعلي لجوهر الإسلام خلق حالة من غياب الروح العصرية الخلاقة المتوثبة الى الانفتاح الفكري والإبداع الفني والأدبي والعلمي، والتغيير الاجتماعي الإيجابي، وما النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الإمارات العربية المتحدة اليوم إلا نتيجة خلوها من آثار الدروشة الدينية التي تقتل كل مظاهر الإبداع في المجتمع، وهو ما يفسر حالهم وحال دول الدروشة التي يعشش فيها كل أشكال الفساد·
almonayyes@taleea.com |