رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 27 رمضان 1424هـ - 22 نوفمبر 2003
العدد 1604

طلقها···
إسحق الشيخ يعقوب

كانت "مودرن" في هندامها وعطرها وأناقتها·· وكان شعرها الذي يتساقط حتى وجنتيها·· عندما تحركه يتماوج كارتعاش ظلام في ليل تتناهبه خيوط المطر·· وعندما تبتسم تخفق غمّازتا وجنتيها·· فتضيىء السعادة والبهجة تقاطيع وجهها المغسول بكوثر السّند··

لقد فاضت حياتنا بسعادة لا أستطيع وصفها·· بعد أن أنجبت مولودا·· مكنوز العافية مملوء الحركة·· تندّى حُسنا وعذوبة وبراءة··

ويشف تقاطيع وجهها شفّا·· كأنه قطعة مُصغرة عنها·· وكان لا يشبهني إلا بذراعية وقدميه!!

عندما تضُمه إلى صبح صدرها·· تُضيىء وجناته استدارة ثديها المترعة بطهر حليب أمومتها·· وكان يُدخل شفتيه الكرزيتين في زنبقة نهدها·· ويذوب في سكرات حليبها·· حتى يرتخي شيئا·· فشيئا إلى سبات عميق!!

وكنت أرعى علاقتي بها كزوجة وإنسانة·· وكانت سعيدة بي·· وكنت سعيدا بها·· ولم يدر بخلدي يوما·· أن تنزل بعلاقتنا الزوجية نازلة·· يمكن أن تقلب حياتنا الزوجية رأسا على عقب··

لقد وسوس لها·· أهل فقه الظلام·· وأعادوا صبح حاضرها·· في سواد ماضي آبائها وأجدادها·· حتى تدروشت شىئا·· فشيئا·· ودروشت سعادة المنزل معها·· وقد باءت جميع محاولاتي الليبرالية بالفشل·· وبين ليلة وضحاها·· ضمّت شعرها وجسدها في كفن أسود·· وانخسف قمر وجهها في نقاب ظلام السلف·· وتحوّلت "يمامتي" إلى غراب ينعق آناء الليل وأطراف النهار·· في تافه ما يجوز·· وما لا يجوز!!

كل شيء فيها أصبح كراهية·· لقد اختفت ابتسامتها·· وتشكل العبس في وجهها·· وأخذت عدوى كراهيتها· تنفث عدواها شيئا·· فشيئا في نفسي، حتى طعمها·· ورائحتها·· ولمسها·· وتكشيرة وجهها·· انتابها طعم سلف الموت!!

سنتان من الجحيم·· لا أطيقها·· لا أطيقها!!

قلت لصاحبي·· الذي يتمزق وهو يحدثني بمرارة عن زوجته (···) فتش عن العيب فيك·· أو فيها·· رفع حاجبه·· وتلاقت عيناي مع عينيه المتعبة·· وقال: لماذا لا يكون العيب في أولئك الغاوين الـظلاميين الذين أغووها قلت له طلّقها··· وكأنه أمسك بشيء لابد منه (!!!)

قال: لعلّها تجد ضالتها تحت ظلال ظل لحية أحدهم··

وكنت أسائل نفسي·· هل يمكن لأحد أن يُحلل البُغْض؟! هل يمكن للبغض أن يكون حلالاً؟! كيف يحللون ما هو بغيض عند اللّه بهذا التعسف والعشوائية والتطير؟!

البغضاء غير مستحبة في الإسلام·· والحديث الشريف يقول: "أبغض الحلال إلى اللّه الطلاق"·

وكنت أسائل نفسي هل أبغض الله·· عندما زيّنت لصاحبي الطلاق؟!

إن ما يجافي إرادة الإله·· ويُعزر البغضاء لديه هو طلاق التعسف·· الطلاق الذي يؤدي إلى الضرر والإضرار بالأسرة·· والمجتمع·· الطلاق الذي لا يقننه وينظمه قانون الأحوال الشخصية!!

من يتحمل مغبة طلاق صاحبي (···) لزوجته؟·· من يتحمل بغضاء الله للطلاق، من أدخل الكراهية والبغضاء - باسم الدين - في عائلة تعيش سعادة الانسجام والوئام والحب الأسري غير أولئك الذين أوغروا قلب الزوجة بغلواء  التخلف والتشدد ومخازي القرون الوسطى·· حتى أخرجوها من عالم الحداثة ونور الحرية··· إلى عالم ظلام وأد المرأة في سواد الحجاب· وظلام النقاب!

وكنت أتساءل·· لماذا يكون الطلاق حقا مطلقا للرجل؟·· ولماذا لا يكون هذا الحق أيضا للمرأة؟·· أليس هذا إيغالا في مكروه التعدي على كرامة المرأة·· ويسيء إلى رعاية الأولاد وتماسك الأسرة؟!

وإذا كان عقد الزواج في المحكمة·· لماذا لا يكون الطلاق في المحكمة أيضا؟! إنها عملية تسليع واضحة·· يوثق شراؤها في المحكمة·· ويُلقي بها الرجل خارج ملكيته الخاصة متى شاء وحيثما أراد، ولم يأخذ استشراء حالات الطلاق في التزايد واتساع خطورتها في مجتمعاتنا العربية إلا جراء هذا الاستخفاف بما يبغض الله في الطلاق والتطير بكرامة المرأة وحرية اختيارها من دون تقنين وتنظيم العلاقة الزوجية والأسرية ضمن قانون للأحوال الشخصية·

وأحسب أن ما هو بغيض عند عباد الله·· هو بغيض عند الله·· والعكس صحيح·· وهو أن يذهب المشرعون في تجسيد العادات البائدة وإدامتها·· كالأخذ بوقوع الطلاق بمجرد نطق الرجل به·· أو عقد قرانها بمجرد نزوة اشتهاء·· أو متعة طارئة·· تنتهي بانتهاء وطرها·· وبمجرد كلمة واحدة "طالق"·

وإنه من الظلم إبقاء العادة على استقرارها منذ العصور المظلمة·· دون زحزحتها عند تبدل الأحوال والظروف الاجتماعية·· ودون الارتقاء بهذه العادات إلى ما ينفع الناس·· وما فيه مصلحة الأسرة والمجتمع··

إن مستجدات المجتمع وحاجاته تقضي ضرورته·· على تجاوز العادات المستقرة في الأديان والأعراف والتقاليد والنصوص·· ومعروف أن عمر بن الخطاب·· أمر بترك حدّ السرقة في عام المجاعة·· ويذكر السيوطي أن عمر بن الخطاب ضاعف حد شرب الخمر إلى ثمانين جلدة خلاف ما كان في عهد الرسول أربعين جلدة··وخشى ازدياد العداوات فعاقب على الهجاء·· ووجد حاجة الى زيادة أموال المسلمين فزاد الضرائب على التركات·· ووجد ضرورة لتوسيع مسجد الرسول فهدمه وزاد فيه·· وفرشه بالحصباء، وأراد أن يكون مقام إبراهيم مستقلا عن البيت الحرام ففصله عنه وجعله في مكان آخر· وكلها كما يرى "مصطفى الجوزو" في جريدة النهار 7 تشرين الأول 2003 أعمالاً تشمل أحكاما جزائىة "حدودا" وعبادات وإنشاءات وقد أقدم عليها عمر على الرغم من عدم حدوث مثلها أيام الرسول وأبي بكر، فالحاجة المستجدة سمحت بإنشاء أحكام وتصرفات مختلفة·· من غير الاستناد إلى نص·· بل مخالفة النص القرآني في حد السرقة ومخالفة السنة النبوية في حد شرب الخمر··

وأحسب أن أولئك الذين يقفون حجر عثرة أمام إنجاز قانون أحوال شخصية عصري·· يصون كرامة المرأة·· ويحمي حقوقها ويضعها ضمن حقوقية فقهية عادلة يأتون بفقه إسلامي يصون حقوق المرأة والطفل والأسرة·· لا فقه ينزع إلى تسييد قوامة الرجل على المرأة··

وتأتي كارثة الصداق الورقي حقيقة ترتبط بوتيرة التضخم الذي ينهش في الأسعار أي أن المهور المؤجلة·· آخذة في انخفاض وتيرة قيمتها الشرائىة·· مما يؤثر على قيمة الصداق الفعلية··

يقول مصطفى الجوزو: "واللافت أن قانون المحاكم السنية ينص على إمكان رفع نفقة الزوجة·· وخفضها بمقتضى ارتفاع الأسعار وهبوطها·· لكن هذه المحاكم ترفض تطبيق ذلك على المهر·· بحجة أنه مُسمّى نوعا·· أي مذكور نوع عملته أو مادته·· علما بأن النفقة تُدفع لتأمين معيشة المرأة في أثناء الزواج أو العدة والمهر المعجل يدفع لمساعدتها في نفقات الزواج وغيرها·· والمؤجل لمساعدتها في الانفاق بعد انقضاء الزواج·· فكلها نفقات زواج·· لكن الأغراض مختلفة ويجب أن تعامل المعاملة نفسها" ويقول: "ومن مآسي الطلاق أن بعض الرجال فاقدي الضمير يرهقون زوجاتهم بالحمل والولادة والعمل المنزلي·· ولا يعتنون بصحتهن·· حتى إذا مرضت إحداهن مرضا شديدا·· طلقوها·· والطريف أن بعض القضاة·· يعمل برأي الحنفية وغيرهم في أن علاج المرأة ليس واجبا على الرجل·· بل من واجب أهلها·· ولو نشأ مرضها بعد الزواج "حتى هذه لا يجتهدون فيها" فما مصير المرأة التي يكون أهلها فقراء أو عجزة أو معوقين؟ علما أن المرأة في رأي أولئك القضاة والفقهاء تُحبس للزواج والمنزل·· فإذا سمح لها زوجها بالعمل اقتطع شيئا من نفقتها أو ألغاها·· لأنها تكون قد اقتطعت من وقت العمل المنزلي أي أنها أجيرة" ويقول مصطفى الجوزو وأرى: "أن من يقضي بطلاق المريضة التي لا عائل لها إلا زوجها أو يوافق عليه·· يوشك أن يكون مرتكبا لجريمة المساعدة على القتل·· بل أن كل طلاق تعسفي لمن لا عائل لها جريمة تجويع متعمدة يشارك فيها من يقر شريعتها"·

إن الضرورة تُلح إلحاحا شديدا كلما تجددت الحالات المأساوية التي تجابهها النساء في عمليات الطلاق التعسفي واللاإنساني·· الطلاق الذي يكرس بغضاء الإله·· تجاه الجرائم المأساوية· الناتجة جراء حيثيات مغبّة الزواج والطلاق ناهيك عن زواج المتعة والمسيار ومهزلة الزنداني تجاه "فريند زواج"·· نقول إن الضرورة تقتضي - ضرورة الجرائم التي ترتكب بحق النساء -  قانون أحوال شخصية ينظم علاقة أسرية حديثة عصرية إنسانية بين الزوج والزوجة والأطفال·· ويقوم بمواءمة إنسانية عصرية عادلة بين المستجدات الاجتماعية·· وبين الأحكام الفقهية·· والأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي تعصف بمجتمعاتنا·· فالدين في حقيقته الإنسانية ومقاصده الخيرة النبيلة·· معايشة حقيقية واعية لمتغيرات التاريخ والجغرافيا·· ولعقول المفكرين المستنيرة·· قادة وزعماء مجتمعاتنا ومن قضاة وفقهاء ديننا الإسلامي الحنيف·

ولا يمكن للمجتمع أن ينهض إلى علياء الرقي والتقدم والمرأة ترسف في قيود ذلها وعبوديتها وتخلفها·· بل لا يمكن للفضيلة أن تستقيم في قنوات قواعدها الإنسانية·· وولاة أمورنا وقضاتنا وفقهاؤنا يشرعون ذلها ويكرسون عبوديتها ويتكالبون ضد إصدار قانون للأحوال الشخصية يحمي ويصون كرامتها وينظم علاقتها الزوجية والأسرية·· ومهما كانت الأسباب والذرائع والتمسك بالعادات والتقاليد البالية فإن ذلك لا يمكن أن يعفيهم من مسؤوليتهم الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية·· ويبرىء ساحتهم تجاه قضية المرأة!!

�����
   

مفاتيح الجنان:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
المقاومة العراقية:
سعاد المعجل
إلى الجحيم أيها الإرهاب:
يحيى الربيعان
احتكار الأراضي في الدولة :
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
أموال الناس (1):
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
الديمقراطية والديمغرافيا!:
عامر ذياب التميمي
مستشفى العدان لم يعد يستطيع ···:
المحامي نايف بدر العتيبي
سياسة التهويد:
عبدالله عيسى الموسوي
ما أشبه الليلة بالبارحة:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
المسابقة الثقافية للجمعية التعاونية ··
" ليوان" الوزارة، آينشتاين، وأمور أخرى:
خالد عايد الجنفاوي
فريدمان·· ونهاية "الغرب"!!:
د. جلال محمد آل رشيد
الانتهازية والانتهازيون في العراق:
حميد المالكي
فضيحة في بغداد عن قوائم المتعاونين مع النظام السابق:
هارون محمد
طلقها···:
إسحق الشيخ يعقوب