رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 27 رمضان 1424هـ - 22 نوفمبر 2003
العدد 1604

الديمقراطية والديمغرافيا!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

عندما تشيخ المجتمعات المتطورة في عصرنا نجد أن مجتمعات الدول النامية تعج بالشباب وصغار السن، وتترواح نسب الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين في البلدان النامية بين خمسة وستين إلى سبعين في المئة، كما أن الذين تقل أعمارهم عن الخمس عشرة تتراوح نسبهم بين الأربعين إلى الخمسة والأربعين في المئة·· ويأتي التراوح في النسب حسب درجة التحضر وطبيعة الثقافة والتراث السائدين في أي من المجتمعات النامية، حيث تنخفض النسب في بلدان مثل الهند والفلبين والصين وسنغافورة وربما ماليزيا وترتفع في بلدان مثل السعودية ومصر والكويت وبقية دول الخليج العربية وإيران·· لكن يجب الإقرار بأن بعض البلدان العربية والإسلامية مثل مصر وإيران والمغرب وتونس تمكنت من السيطرة، إلى حد ما، بفعل برامج تنظيم الأسرة والوعي الحضري على معدلات النمو السكانية وتحديد أعداد الأطفال للأسرة الواحدة، ولقد تأكد على مدى سنوات القرن العشرين أن هناك ارتباطا بين مستويات التحضر والتمدن وتغيير الأنشطة الاقتصادية باتجاه التصنيع والمهنية وبين مسائل تنظيم الأسرة وتحديد عدد أبناء الأسرة الواحدة، ولقد كانت هذه الظاهرة سائدة في دول أوروبا بعد الثورة الصناعية مما حدد من نسب التزايد السكانية· وغني عن البيان أن ارتفاع مستويات المعيشة وتزايد الاحتياجات الاستهلاكية قد أدت إلى وعي أرباب الأسرة بالمسؤوليات الاقتصادية تجاه الأبناء·

لكن ما يثير الاستغراب والاندهاش هو واقع الديمغرافيا في بلدان الخليج العربي· بالرغم من تحسن مستويات المعيشة وارتفاع معدلات التحضر واختفاء ظواهر الريف والبداوة التقليدية في هذه البلدان بفعل تحسن مستويات المعيشة وتغير أنماط الأنشطة الاقتصادية إلا أن منظومة القيم الاجتماعية في هذه البلدان مازالت متخلفة ولم تتطور باتجاه الأنماط التي سادت فيها المتغيرات العصرية، سواء في البلدان المتطورة أو البلدان النامية، ما المبررات لاستمرار هذا التخلف في الوعي الذي أكد زيادة أعداد السكان بمعدلات عالية بالمقاييس العالمية حيث لا تقل نسبة، أو معدل، النمو السكاني عن الثلاثة في المئة·

ليس هناك من تفسير سوى أن ظاهرة الاقتصاد الريعي والاتكالية على دور الدولة قد عزز من قيم متخلفة مثل الاهتمام بزيادة أعداد الأبناء، وأحيانا وبدرجة ما تعدد الزوجات، وربما كان لارتفاع معدلات الدخل بعد بداية عصر النفط في ظل ظروف اجتماعية بدائية الدور الأساسي في تكريس كل المفاهيم غير المتسقة مع قيم التحضر وروح العصر، حيث لم تكن هناك فعاليات اقتصادية تدفع نحو تبديل منظومة القيم كما حدث في كثير من البلدان في أوروبا والأمريكتين أو في بلدان آسيا الشرقية، أو حتى في بعض البلدان العربية مثل مصر وسورية والمغرب وتونس وإيران·

وقد زاد الأمور تعقيدا تلك الطروحات التي كانت تنادي والى وقت قريب بأهمية زيادة أعداد المواطنين نظرا لعدم توازن التركيبة السكانية التي يمثل فيها الوافدون أغلبية واضحة في مختلف بلدان الخليج، ولا شك أن تلك الطروحات تثبت خطها حيث إن أعداد الوافدين تتزايد بتزايد أعداد المواطنين الذين يخلقون طلبا على العمالة الوافدة، الهامشية بشكل خاص، قد تعززت الطروحات المذكورة بسياسات للأجور والتعويضات حيث قامت الحكومة بدفع مخصصات مقابل كل طفل لأي من الموظفين الذكور من المواطنين العاملين في الحكومة والقطاع العام في مختلف دول الخليج·· ففي الكويت، مثلا كان يدفع خمسين دينارا لكل من الأبناء لأي من الموظفين دون تحديد عدد، وإن كان قد قنن العدد خلال هذا العام بسبعة أبناء، وهو عدد مرتفع على أي حال، مثل هذه السياسات لابد أن تحفز الكثير من الآباء، خصوصا من ذوي الدخول المنخفضة أو المحدودة، لزيادة أعداد الأبناء أملا بتحسين مداخيلهم ويستطيع المرء أن يزعم أن التعليم والتعرف على بينات مجتمعية أخرى نتيجة للسفر والإقامة في الخارج للكثير من مواطني بلدان الخليج، تغير من مفاهيمهم الاجتماعية، وخصوصا ما يتعلق بالزواج والإنجاب، ومن ثم استمرت هذه الأوضاع حتى بعد دخول المرأة سلك العمل بأعداد كبيرة·· كما أن توفر العمالة الهامشية، مثل خدم المنازل والمربيات، قد عزز الاتكالية وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه تربية الأبناء أو قياس تكاليفهم·

إن ما سبق ذكره يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار لمواجهة المشكلات التي تتعرض لها بلدان الخليج في الوقت الراهن مثل زيادة تدفق المواطنين لسوق العمل دون أن يعثروا على المهن والوظائف الملائمة واضطرار الحكومات لتحمل توظيفهم، وهي تعلم بعدم توقع إنتاجية تذكر من هذا التوظيف ويعتقد المختصون باقتصادات العمالة أن الظروف الاقتصادية السائدة وسيطرة الدولة على مرتكزات الاقتصادي في دول الخليج المختلفة وتعثر برامج الإصلاح الاقتصادي في بعضها، مثل الكويت، قد يؤدي إلى خلق مشاكل عمالة ومعضلات اجتماعية في المستقبل القريب·

كيف يمكن لهذه الأوضاع أن تؤثر على برامج الإصلاح السياسي وتطوير المشاركة الديمقراطية؟ هناك إشكالية مرت بها الكثير من الدول، ومنها بلدان عربية مثل مصر والجزائر والمغرب، وهي ارتفاع معدل العاطلين بين الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد العليا مما يزيد من حال الحنق والاستياء ويدفع لتبني مواقف سياسة متطرفة، وعندما تتوفر منظمات تعتمد قيم الدين وترفع راية الجهاد وتطرح شعارات بأنها تملك الحلول لمشكلات المواطنين فإن الكثير من الشباب سوف يندفعون من دون وعي إلى صفوف هذه المنظمات، ومن المؤكد أن هذه القوى لن تقدم الحلول المنشودة ولكنها تستطيع أن تجند أفرادا لإنجاز برامجها المتطرفة·

وهكذا تصبح مسألة تطبيق الديمقراطية في مثل هذه التجمعات معقدة، بالرغم من ضرورتها وأهميتها لمواجهة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية·

يتطلب الأمر التعامل مع هذه القضايا بحذر شديد وتفعيل آليات الإصلاح على جميع المستويات والتعجيل بإعادة هيكلة الاقتصاد والابتعاد عن قيم الريع التي سادت على مدى زمني طويل كذلك لابد من إصلاح أنظمة التعليم والثقافة بما يعيد بناء منظومة قيم جديدة تعتمد على مفاهيم إنسانية وعصرية تؤدي إلى فهم أفضل للممارسة الديمقراطية، وكذلك يجب أن تؤدي هذه القيم إلى تكريس مفاهيم الإنتاج والفعالية في العمل الاقتصادي، ويمكن للمرء أن يزعم بأن التطورات المؤسفة التي برزت في بلدان الخليج مثل ظاهرة التطرف والعنف تستدعي عمليات إصلاح شاملة تؤكد مشاركة النخب الواعية في بناء المفاهيم الجديدة، بحيث تسعى الأنظمة الحاكمة من الفئات المثقفة وبعدالة بين مختلف التيارات الفكرية لمساعدتها في بناء مجتمعات جديدة ديمقراطية، ومنتجة· إن استيعاب مخرجات الديمغرافيا خلال السنوات والعقود الماضية يتطلب تعديل مسارات كثيرة وبناء نموذج تنموي على أسس عصرية والابتعاد عن سياسات الإنفاق دون رؤية·

 

tameemi@taleea.com  

�����
   

مفاتيح الجنان:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
المقاومة العراقية:
سعاد المعجل
إلى الجحيم أيها الإرهاب:
يحيى الربيعان
احتكار الأراضي في الدولة :
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
أموال الناس (1):
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
الديمقراطية والديمغرافيا!:
عامر ذياب التميمي
مستشفى العدان لم يعد يستطيع ···:
المحامي نايف بدر العتيبي
سياسة التهويد:
عبدالله عيسى الموسوي
ما أشبه الليلة بالبارحة:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
المسابقة الثقافية للجمعية التعاونية ··
" ليوان" الوزارة، آينشتاين، وأمور أخرى:
خالد عايد الجنفاوي
فريدمان·· ونهاية "الغرب"!!:
د. جلال محمد آل رشيد
الانتهازية والانتهازيون في العراق:
حميد المالكي
فضيحة في بغداد عن قوائم المتعاونين مع النظام السابق:
هارون محمد
طلقها···:
إسحق الشيخ يعقوب