رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 27 رمضان 1424هـ - 22 نوفمبر 2003
العدد 1604

فضيحة في بغداد عن قوائم المتعاونين مع النظام السابق
هارون محمد

في العراق اليوم لاشغل ولا شاغل لقادة ومسؤولي الأحزاب والجماعات والدكاكين السياسية التي كانت تشكل إطارات المعسكر الأمريكي في المعارضة العراقية، غير بذل الجهود للتستر على فضيحة مدوية تتمثل في كشف النقاب عن أسماء الكثير من القيادات والكوادر والمتنفذين في تلك الأحزاب، وخصوصاً الكردية منها، كانوا على صلات استخبارية مع أجهزة صدام حسين، يقدمون إليها تقارير ومعلومات دورية مقابل أموال وصفقات ومكافآت·

ورغم أن قوائم الوكلاء والمتعاونين كما يطلق عليها في الشارع العراقي، باتت معروفة الأسماء والمواقع والعناوين على نطاق واسع، حتى أن مجموعة منها تليت من منابر مساجد وجوامع في أربيل والسليمانية ودهوك، وتم تحذير المواطنين الأكراد من التعامل مع من وردت أسماؤهم فيها، إلا أن الأجحزاب التي ينتمي إليها المعنيون لم تتخذ إجراءات رادعة بحقهم كما تقتضي التقاليد الحزبية والأعراف السياسية، وإنما لجأت إلى تسريب معلومات مقتضبة عن قرارات تجميد بعض القياديين والوزراء عن مهامهم ومواقعهم، بحجة أن الهيئات العامة ومؤتمرات الأحزاب ستنظر في أوضاعهم عند انعقادها مستقبلاً، وهي ذريعة مفضوحة للتهرب من المسؤولية عمدت إليها القيادات الرأسية في تلك الأحزاب، وثمة حديث يتردد في بغداد والمنطقة الكرية، أن بعثة الـ (سي آي إيه) العاملة في العراق هي التي اكتشفت (القوائم) وضبطت وثائق ومذكرات رسمية تبادلها المسؤولون في النظام السابق تمتدح مبارات هذا الوكيل، أو تثمن جهود ذلك المتعاون، ومن هؤلاء صحافي كردي محسوب على الحزب الديمقراطي الكردستاني وله كتب تتناول سيرة الملا مصطفى البارازاني ونجله مسعود، ويعمل حالياً في صحيفة الحزب ببغداد (التآخي) ويظهر في بعض الفضائيات العربية كمؤيد ومتحمس لقوات الاحتلال ومدافع بحرارة عن مجلس الحكم الانتقالي والوزارة الموقتة، ومن الوثائق التي كشف عنها حوله، مذكرة رفعها سكرتير صدام للشؤون الأمنية عبد حمود إلى صدام حسين يمتدح دقة المعلومات التي يبعثها هذا الصحافي (المتعاون) إلى بغداد ويقترح منحه مكافأة مجزية تقديراً لـ (خدماته المفيدة ودقة معلوماته وإخلاصه في عمله) منذ عام 1992·

وشخصياً سألت السيد عادل مراد، عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، خلال زيارة خاطفة قام بها للندن في الأسبوع الماضي عن أسماء يتم تداولها ضمن حزبه، فاعترف بأن عدداً من القياديين من ضمنهم (سعدي بيرة ومصطفى جاوروك) ثبتت التهمة عليهما، وتم تجميدها حزبياً، أحدهما غادر المنطقة الكردية إلى النمسا لأنه يحمل جنسيتها، والتحقيق مازال يجري مع المشتبه بهم من الآخرين، وامتنع عن الحديث بشأن الأحزاب الكردية الأخرى التي ظهرت أسماء أعضائها في (القوائم الكريهة)·

واختراق الأجهزة الأمنية والمخابراتية الحكومية للأحزاب الكردية وجماعات المعارضة في الخارج ليس جديداً، وخصوصاً بالنسبة للأولى، وكانت البداية في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم عندما استمال إلى جانبه الشيخ المرحوم أحمد البارزاني الرئيس الأعلى للأسرة البارزانية، وحيّده عن مساندة شقيقه الملا مصطفى البارزاني الذي قاد حركة مسلحة ضد الزعيم في أيلول/ سبتمبر 1961·

والاختراق الحكومي الثاني جاء في منتصف الستينات عندما انشق أغلب أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني عن زعامة البارزاني الأب، بقيادة إبراهيم أحمد وجلال الطالباني وعمر دبابة، والتحقوا في خدمة السلطات الحكومية·

ومن أبرز الاختراقات الشهيرة للأحزاب الكردية، انشقاق طه محي الدين معروف، علي جلال الطالباني الذي كان قد رشحه وزير دولة يمثله في حكومة البعث المشكلة في 31 تموز/يوليو 1968 ورفض الانسحاب منها عندما تم فك التحالف بين الطالباني والنظام السابق في آذار/ مارس 1970، واستمر يعمل ويتعاون مع البعث سفيراً في روما ثم نائباً لرئيس الجمهورية منذ مطلع عام 1974 لغاية سقوط النظام في نيسان/ إبريل الماضي·

ولعل أكبر الاختراقات الأمنية للأحزاب الكردية كان في أوائل العام 1974 عندما تمكن صدام حسين وكان نائباً للرئيس ومشرفاً على أجهزة الأمن والمخابرات من خلخلة الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الملا مصطفى البارزاني، حيث شجع عدداً من القيادات السياسية والعسكرية في الحزب على الانشقاق عن الحزب والتعاون معه، أبرزهم اللواء عزيز عقراوي وهاشم عقراوي عضوا المكتب السياسي، عبدالله ماطور مسؤول الفلاحين السابق في الحزب، عبدالستار طاهر شريف أحد القياديين القدامى في الحركة الكردية، وبكر رسول محافظ السليمانية وعبيد النجل الأكبر للملا مصطفى وتعيينهم وزراء، وهو ما أوقع البارزاني الأب في حرج شديد أضره سياسياً·

وامتدت الاختراقات الناجحة لصدام حسين إلى عشيرة (الزيبارية) الكردية الكبيرة في منطقة دهوك واستمال شيوخهم إلى جانبه ومنهم أخوال مسعود البارزاني، ولم يشذ عن موقف الزيباريين الملتحقين بالسلطات الحكومية غير هوشيار الزيباري، وزير الخارجية الحالي، الذي كان في تلك الفترة شاباً يافعاً في رعاية شقيقته زوجة الملا ووالده مسعود في أربيل، بعيداً عن عشيرته التي يتردد الآن أن شيوخها وأعيانها، وأغلبهم يقطنون في أطراف مدينة الموصل يرفضون دعمه ويعترفون بالوزير الكردي السابق أرشد الزيباري (ابن عم هوشيار) الذي استمر في منصبه الوزاري حتى سقوط النظام شيخاً عليهم·

وتلقى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وهو في سنواته الأولى ضربة موجعة واختراقاً خطيراً من النظام السابق الذي استطاع أن يستقطب أحد قادة الحزب (منذر النقشبندي) أحد مساعدي جلال الطالباني، حيث زود أجهزة النظام بتقارير ومعلومات واسعة عن أنشطة الاتحاد وتحركات وعلاقات رئيسه جلال الطالباني بما فيها نسخ مصورة عن شيكات بملايين الليرات السورية والدنانير الليبية، حتى الحكايات والمفارقات الطريفة التي كانت تصادف الطالباني في تنقلاته وزياراته كان يدونها النقشبندي باستفاضة ويرسلها إلى بغداد أولاً بأول· نورد واحدة منها لشيوعها وطرافتها، تقول الحكاية: أن وفداً من المعارضة العراقية وكانت تتخذ من دمشق مقراً لها غادر إلى بنغازي في زيارة لليبيا على طائرة صغيرة سورية برفقة عبدالحليم خدام وزير الخارجية السابق نائب الرئيس الحالي، وكان الوفد برئاسة جبار الكبيسي عضو القيادة القومية مسؤول مكتب العراق لحزب البعث/ الجناح السوري، وعضوية جلال الطالباني والشيخ حسن النهر أحد الوجوه الديمقراطية العراقية المستقلة وآخرين، وعند اختتام زيارة الوفد تم تحميل الطائرة الصغيرة وهي عائدة به إلى دمشق بأكياس (شوالات) مليئة بالدنانير الليبية، كان العقيد القذافي قد تبرع بها لتمويل قيادات أحزاب المعارضة وفعالياتها ضد نظام صدام حسين، وقد أحدثت حملة الطائرة الزائدة قلقاً لدى طاقمها الفني، وهو ما لاحظه الشيخ النهر، وكان طاعناً في السن ويخشى ركوب الطائرات فاقترح على رفيقيه الكبيسي والطالباني تجزئة (الحمولة) وإرسالها على وجبات إلى العاصمة السورية، لضمان سلامة رحلة الطائرة وحياة ركابها، فما كان من الطالباني إلا أن يزجر الشيخ ويقول له: إذا حدثت مشكلة خلال الرحلة بسبب الوزن، فالمسألة بسيطة "نرميك من الطائرة ونتخلص من الحمل الزائد"!

أما أطرف عمليات الاختراق للأحزاب الكردية فكانت عندما زار صدام حسين طهران في عام 1976 وهناك التقى عدداً من المعارضين الأكراد اللاجئين في إيران وطلب منهم العودة إلى بغداد، وكان من ضمنهم سكرتير عام الحزب الديمقراطي الكردستان حبيب محمد كريم، الذي كان الملا مصطفى البارزاني قد رشحه نائباً لرئيس الجهورية عقب إعلان بيان 11 آذار/ مارس 1970 ورفض صدام الترشيح وكانت حجته أن حبيب من أصول إيرانية، واقترح أن يشغل إدريس أو مسعود نجلا الملا هذا المنصب· وهو مارفضه الأخير، وأصر على مرشحه·

والمفارقة في الأمر، أن حبيب عاد وقبل أن يتولى وظيفة مدير بلديات أولاً، ثم مفتش ضريبة ببغداد لاحقاً، واستمر في وظيفته حتى إحالته على التقاعد عام 1990، بدرجة مدير عام الضريبة، وكانت نكتة يتداولها الأكراد العراقيون عن مرشح نائب رئيس الجمهورية الذي وافق على شغل وظيفة مفتش ومدير (زريبة) كما تلفظ مفردة ضريبة باللغة الكردية·

وحكايات الاختراق السياسي والاستخباري لأحزاب المعارضة العراقية في الخارج كثيرة، وهي تؤشر على حالات ضعف شخصية وأطماع ذاتية وسقوط سياسي وأخلاقي·

�����
   
�������   ������ �����
 

مفاتيح الجنان:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
المقاومة العراقية:
سعاد المعجل
إلى الجحيم أيها الإرهاب:
يحيى الربيعان
احتكار الأراضي في الدولة :
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
أموال الناس (1):
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
الديمقراطية والديمغرافيا!:
عامر ذياب التميمي
مستشفى العدان لم يعد يستطيع ···:
المحامي نايف بدر العتيبي
سياسة التهويد:
عبدالله عيسى الموسوي
ما أشبه الليلة بالبارحة:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
المسابقة الثقافية للجمعية التعاونية ··
" ليوان" الوزارة، آينشتاين، وأمور أخرى:
خالد عايد الجنفاوي
فريدمان·· ونهاية "الغرب"!!:
د. جلال محمد آل رشيد
الانتهازية والانتهازيون في العراق:
حميد المالكي
فضيحة في بغداد عن قوائم المتعاونين مع النظام السابق:
هارون محمد
طلقها···:
إسحق الشيخ يعقوب