في الثالث من يوليو يتوجه الناخبون الكويتيون الى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء في مجلس الأمة، في موعد سابق لأوانه بعد أن تم حل المجلس حلا دستوريا في الرابع من مايو من هذا العام· ومن دون ريب إن هذه الانتخابات ربما تكون مفصلية في التاريخ السياسي للكويت حيث إن أداء مجلس الأمة في الفصل التشريعي السابق كان متواضعا، كما أن العديد من القضايا والأمور المهمة قد تعطلت وأهملت بفعل انقلاب الأولويات لدى السلطة التشريعية وعدم مبادرة الحكومة باستلام زمام الأمور وطرح القضايا بقوة على مجلس الأمة·· ولذلك فإن المراسيم التي تم اعتمادها خلال فترة الشهرين المنصرمين كانت مهمة وأساسية نظرا لارتباطها بالقضايا الاقتصادية والإصلاحية التي كان يجب أن تولى اهتماما أكبر من مجلس الأمة·· فمثلا تعطلت مسائل التخصيص والاستثمار الأجنبي وتعديل قوانين الشركات بما يتوافق مع خلق بيئة مؤسسية فاعلة تخدم آليات تنشيط وتفعيل الاقتصاد الوطني·

ولذلك يمكن الادعاء بأن الحكومة قد أنجزت خلال شهرين تشريعات وقوانين عجز مجلس الأمة عن إنجازها خلال السنوات الثلاث الماضية· وليس ذلك يعني بأن الحكومة كانت أكثر كفاءة أو أن مجلس الأمة قد عطلها، لكن الحقيقة هي أن الأوضاع وصلت الى مرحلة من الشلل دفعت السلطة السياسية الى التبصر في أوضاع البلاد والاقتناع بأهمية اتخاذ قرارات مصيرية· ولا شك أن المسائل الاقتصادية مثلت تحديا كبيرا للمجتمع السياسي في الكويت حيث إن البلاد باتت الأقل تفاعلا، في المحيط الخليجي، مع استحقاقات التطور في العالم·· وظلت الكثير من المؤسسات خاضعة لهيمنة الدولة وملكيتها مما زاد من تدهور الكفاءة في الوقت الذي تتدافع فيه مختلف الدول لتشجيع الاستثمار الخاص، الوطني والأجنبي، وتسعى لكسب ثقة المؤسسات الاقتصادية العالمية، وتبسط الإجراءات وتشرع القوانين من أجل زيادة رقعة المنافسة في مختلفة القطاعات الاقتصادية·

وفي الوقت ذاته إن الأوضاع السياسية والاجتماعية في الكويت باتت لا تطاق نتيجة لهيمنة الفكر المحافظ والرجعي بدعاوى التدين، وعطلت ملكات الفكر نتيجة للإرهاب والابتزاز·· كذلك حُجّم دور المرأة ونشرت قيم اجتماعية متخلفة جعلت المرأة مجرد أداة متعة لا قيمة إنسانية لها، ولا يجب أن تضطلع بأي دور سياسي يذكر·· ودون جدال فإن هذه القيم لا تمت لمجتمع الكويت بصلة، ولا بد أن تكون مما تم استيراده من خارج الحدود، حيث إنه من المعلوم أن المرأة في المجتمع الكويتي القديم، وإبان زمن الغوص والسفر، كانت تلعب دورا متميزا في المجتمع، وفي ظل قيم وتقاليد عربية وإسلامية واضحة، ولكن من دون تفريط في موقعها في المجتمع أو التقليل من شأنها الاجتماعي·· وبعد حل مجلس الأمة جاءت مبادرة سمو أمير البلاد لتؤكد الحقيقة المنسية وهي أن المرأة تمثل ثقلا اجتماعيا وسياسيا لا يمكن تجاوزه ولا بد من إعادة الأوضاع الي نصابها وإتاحة المجال أمام المرأة لممارسة حقوقها السياسية من انتخاب وترشيح للمجالس الاشتراعية والبلدية·

وهكذا كانت مبادرة السادس عشر من مايو تمثل إضاءة مهمة في تاريخ الكويت المعاصر ودفعت البلاد بدروب التقدم والعصرنة والانعتاق من قيود التخلف السياسي·· ولا شك أن المرسوم بقانون لتعديل قانون الانتخاب لا بد من اعتماده من قبل مجلس الأمة المقبل، وليس لدي أية شكوك حول اعتماده، حيث إنه ليس أمام البلاد خيار آخر إذا أرادت أن تواكب البشرية في تطورها، لكن من المهم أن نفهم بأن هذا التطور في مفهوم الديمقراطية في الكويت يعني أن هناك قاعدة واسعة من الممارسين في المجتمع السياسي، وأن على السياسيين أن يرتبوا أوراقهم للعقد المقبل من القرن المقبل بما يتوافق مع الحقائق الجديدة· فلم يعد بالإمكان تهميش دور المرأة، أو التخطي على حقوقها المدنية والشخصية، كما أن قوانين وتشريعات وإجراءات عديدة يجب أن تتم مراجعتها من أجل تحقيق نقلة نوعية في قضية حقوق الإنسان في الكويت·

ولا بد أن نذكر بأن هناك مسائل عديدة على جدول أعمال البلاد تتطلب المراجعة والتقييم وعلى مجلس الأمة المقبل أن يواجهها بشجاعة·· وقد يشعر المرء ببعض التفاؤل من أداء الحكومة خلال الشهرين الماضيين حيث إن هناك شهية واضحة لاتخاذ القرارات المهمة، وربما تستمر هذه الشهية مع الحكومة وتغزو العدوى المجلس المقبل من أجل إنجاز ما هو مهم وضروري على جدول أعمال البلاد·· ومن هذه القضايا مسألة "البدون" والتي يبدو أن الحكومة قد توصلت الى قناعات مهمة حول طريقة التعامل معها، وتحديد من هم مؤهلون للحصول على الجنسية الكويتية من هؤلاء "البدون" وتعتبر هذه القناعات الجديدة خطوات واضحة على طريق حل مشكلة أضحت مزمنة بفعل الإهمال وعدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب·· وهكذا فإن الكويت، من خلال ناخبيها، قد تصوت لصالح التغيير والإصلاح وتعزيز التطور يوم السبت الثالث من يوليو، نأمل ذلك والله ولي التوفيق!