راسبوتين، لمن لا يعرفه، كان كاهنا دجالا تمكن من إقناع زوجة آخر أباطرة روسيا القيصرية من امتلاكه قدرة ربانية هائلة لعلاج ابنها العليل، وأدخل في روعها أن بقاء الابن على قيد الحياة مرتهن ببقائه الى جواره، وبهذه الشعوذة تمكن راسبوتين من السيطرة على مقاليد القصر القيصري وإدارة شؤون الدولة حسب رغبته وهواه، واستمر على هذا المنوال الى أن قيض الله لروسيا من ينقذها من القبضة الحديدية لراسبوتين·

في مجتمعنا تنامت رؤوس عدد من "الراسبوتينات" الذين أضحى همهم الأول والأخير إقناع الشعب والسلطة السياسية بأنهم يمثلون ظل الله في أرضه، وبأن قولهم لا يأتي عن هوى ولا يصدر عن غوى، فهم معصومون مطهرون وهداة مهديون·· يرفعون شعارات الدين الحنيف الحقة، مثلما فعل من قبلهم جيش معاوية والخوارج والقرامطة، لكن همهم الدنيا مثل من سبقهم· ويلبسون أثواب الزهد في الدنيا وزخرفها، لكنهم مثل الدراويش من قبلهم يخفون وراء هذا المظهر نهما للأصفر والأبيض· الديمقراطية بالنسبة لهم كفر بواح، لكنهم وتحت ذريعة درء المفاسد يتعشقون الوصول الى كرسي النيابة، والانتخابات بالنسبة لهم مبدأ ما أنزل الله به من سلطان وبخاصة فيما يتعلق بالحقوق السياسية للمرأة، لكن هذا لا يمنعهم من دفع نسائهم وفتياتهم دفعاللتصويت في المجالس الطلابية والجمعيات العامة· يداهنون السلطة والسلطان ويمالئون القوة والجبروت فتنحني رؤوسهم عند هبوب العواصف والأزمات، وفي الوقت نفسه يعلنون كفر منهجهم بمبدأ التقية، يقسمون الناس فرقا وشيعا، فيلبسون من يشاؤون ثوب العلمانية، حسب فهمهم لها، ويخلعون على آخرين ثوب الليبرالية، حسب عقولهم، وينعتون فريقا ثالثا بالرافضة بما في ذلك جماعات الإسلام السياسي الشيعي، ويرفعون رايات "سحق هذه الفئات الثلاث عن بكرة أبيها" كما جاء في مقال أحد أكابرهم في لقائه الصحفي في العدد الأخير من مجلة مرآة الأمة، ويزيدون رعدا وبرقا، فيجمعون قصاصات الصحف لكل من يفكر، بهدف تصفيتهم فكريا كما يدّعون اليوم، لكن من يضمن أنهم لن يسعوا غدا للتصفيات الجسدية أيضا؟

راسبوتينات العصر بحاجة الى من يردعهم عن غيهم، وإلا فإن معظم النار من مستصغر الشرر كما تقول العرب!