Al - Talea
رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10-16 شوال 1419هـ - 27 يناير 2 فبراير 1999
العدد 1362

نحن بحاجة إلى "إسلام صريح" حقاً
ياسر الحبيب

الحلقات التي تنشرها "الطليعة" تحت عنوان "وشهد شاهد من أهلها" بتوقيع "مسلم صريح" هي بلا أدنى شك تمثل انطلاقة صحيحة متوازنة لفهم دين الإسلام العظيم· وقد كان لهذه الحلقات وما جاء فيها من أطروحات متجددة هدفها تصحيح المسار أبرز الأثر، حيث إنها أضافت الى العقول الكثير وزادت في حجم المعرفة الدينية·

وكانت هذه الزاوية محور حديث الدواوين والمنتديات الشعبية خصوصا في أيامها الأولى، وذلك على رغم تأثير الأحداث الأخرى المهمة على الصعيد الوطني، كقضية الأحكام الصادرة في بريطانيا بشأن اختلاسات شركة ناقلات النفط، وكالضربة العسكرية الأمريكية - البريطانية للنظام العراقي، وموقف قناة "الجزيرة" القطرية منها·

وهذا الاهتمام الشعبي بالأطروحات الفكرية لهذه الزاوية إنما يعبر عن أهميتها وجدواها في معالجة كثير من المفاهيم الدينية المغلوطة، تلك المفاهيم التي ألصقتها بالدين السلطات الحاكمة أو الأهواء أو الأعراف القبلية أو حتى العقول القاصرة الناشئة على فلسفة المنع والتحريم·

وقد انقسم المتابعون لتلك المقالات المثيرة الى قسمين، أولهما رفض بشدة ما تدعو له واعتبر أن سبب إثارة هذه القضايا إنما يرجع الى محاولة التشكيك بـ"المبادئ الدينية والدين السليم الصافي"، وقد غالى بعض من هؤلاء في وصف الزاوية فنعتها بـ"النافثة لسموم الشيطان"!

أما الفريق الآخر فرأى أن هذه المقالات لا تنم إلا عن عقل مستنير يبغي إصلاح ما شوهه التاريخ وغيرته العقول القاصرة من الإسلام العظيم وشريعة خاتم الأنبياء صلى الله علي وسلم، والدليل على ذلك يكمن في ما نادت به هذه الزاوية والأسلوب الذي عالجت فيه موضوعاتها·

والحق أن تلك الموضوعات إنما تعبر عن فهم عميق للشريعة الغراء، وفي رأينا المتواضع أنها انطلقت من النقطة ذاتها التي انطلق منها كل علماء الإسلام وأئمة الفقه والمذاهب، وهي نقطة الاجتهاد الذي تتفق الأمة بشأنه على أن صاحبه مُثاب في كلتا الحالتين، فهو إن أصاب فله حسنتان وإن أخطأ فله حسنة واحدة، وما دامت المعالجة قد تمت بأسلوب موضوعي وبأدوات الاجتهاد ذاتها فإننا لا نملك إلا الإقرار بأن هذه الزاوية وما طرحته إنما الهدف منه الإصلاح وخدمة الشريعة لا غير، أما درجة اتفاقنا مع ما ذهبت إليه فإنها بلا شك تتفاوت من شخص لآخر تبعا لقناعات كل فرد وميوله الفكرية· المهم بداية هو حسن الظن بصاحب النية قبل الشروع في التقييم واتخاذ الموقف·

ولا نعلم في واقع الأمر لم يصادر بعضهم حقوق الاخرين في الاجتهاد وفهم الدين؟ خصوصا أولئك الذين يظنون أن الدين وأحكامه إنما هو حكر على عقولهم القاصرة من ناحية والمريضة من أخرى، فهم يزعمون أن باب الاجتهاد قد سد بوفاة الإمام أحمد بن حنبل وهو آخر أئمة المذاهب الأربعة· ولنا هنا أن نتساءل: بأي حق سد هذا الباب؟ ومن الذي سده؟ وعلى أي أساس شرعي؟! هل جاء في القرآن الكريم ما يفيد أن الاجتهاد محرم على غير أئمة المذاهب؟ أم أن الرسول الأعظم صلى الله علي وسلم قال: لا تجتهدوا ولا تتفقهوا في الدين عقب وفاة ابن حنبل؟!

يقول العلامة جمال الدين الأفغاني ذلك الرجل المستنير وعالم الأزهر الشريف رحمه الله: "بأي نص سد باب الاجتهاد؟ أو أي إمام قال: لا ينبغي لأحد من المسلمين بعدي أن يجتهدوا ليتفقهوا في الدين؟ أو أن يهتدي بهدي القرآن وصحيح الحديث، أو أن يجد ويجتهد في توسيع مفهوم والاستنتاج على ما ينطبق من العلوم العصرية وحاجيات الزمان وأحكامه؟

ولا ينافي جوهر النص أن الله بعث محمدا رسولا بلسان قومه العربي ليعلم ما يريد إفهامهم، وليفهموا منه ما يقول لهم، ولا ارتياب بأنه لو فسح في أجل أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وعاشوا الى اليوم لداموا مجتهدين مجدين يستنبطون لكل قضية حكما من القرآن والحديث·· نعم إن هؤلاء الفحول من الأئمة ورجال الأمة اجتهدوا فأحسنوا، فجزاهم الله خير الجزاء، ولكن لا يصح أن نعتقد أنهم أحاطوا بكل أسرار القرآن، وتمكنوا من تدوينها في كتبهم" (كتاب خاطرات الأفغاني)·

لطالما حاولت عصبة من المتزمتين - وهم كُثُر ومن شتى الاتجاهات والمذاهب الإسلامية - تضييق دائرة الاجتهاد واحتكاره لأئمتهم وعلمائهم، وذلك وصولا الى قصر الشرعية على أفكارهم وآرائهم وسلبها من الآخرين· فهم الناجون والآخرون هالكون، وهم ناصرو الشريعة وغيرهم هادموها، وهم أصحاب الدعوة الحسنة والإصلاح وإحياء التراث ومن عداهم متلبسون برداء الدين وعملاء للغرب والاستعمار!

وقد كان من أثر ذلك التزمت والتعصب الجاهلي أن انقسمت الأمة الى فرق وجماعات كل منها يكفر الآخر لا لسبب وجيه سوى الاختلاف·· نعم الاختلاف في فهم الشريعة فحسب! وأدى ذلك الى حروب ومجازر سالت فيها دماء وأزهقت فيها أرواح، فمن يتصفح التاريخ سيقف على مآس كثيرة جمة ليس مهما حصرها، وليس هنا موردها، وإنما نشير الى أن التاريخ الإسلامي برمته - باستثناء حقبة زمن النبي الأكرم صلى الله علي وسلم ، يحوي من الفظائع ما لا يمكن حصره إلا في موسوعات ضخمة، فمنذ أن انتقل الرسول صلى الله علي وسلم الى بارئه حتى تقاتلت الأمة وضرب بعضها بعضا على خلفية نزعات رأي واجتهاد· وما هذا إلا دليل على أن داء "عدم الإعذار في الاختلاف" إنما هو داء قديم في هذه الأمة وليس وليد اللحظة·

ففي كل عصر من عصور الإسلام، كان ثمة فريقان، أحدهما متسامح مستنير، والآخر متعصب متشدد منغلق على ذاته· ولست أقصد بالفريق مذهبا، بل إنه قد يحوي مذاهب ومذاهب تشترك في تسامحها، في حين أن فريق التزمت يكون في معظم الأحيان أحادي المذهب كالخوارج في ما قبل، وكالسلفية وقسم من الإخوان والشيعة في عصرنا هذا·

إن نظرة علمية الى تاريخ الإسلام، تكشف مدى ما في هذا التاريخ من سواد صنعته جماعات التزمت الجاهلي وأرباب تسييس الدين· وليست تلك نظرة تشاؤمية أبدا، فما من شك أن السبب الجوهري الرئيس لانقسام الأمة إنما كان الخلاف السياسي· نعم إن السياسة بما تحويه من مصالح وأهواء هي العلة بلا أدنى شك، فمن ينكر أنه ومنذ اللحظات الأولى لوفاة النبي الأعظم صلى الله علي وسلم كان للسياسة الدور الأساسي في زرع بذرة الشقاق، حينما انقسم المسلمون على الخلافة - وهي منصب سياسي - الى حزبين، أحدهما مع أبي بكر والآخر مع علي، وهو ما تترجم في وقت لاحق الى نشوء المذهبين الرئيسين في الدين، أعني السنة والشيعة· ثم من ينكر أن أعاظم الصحابة لم يتمكنوا من أن يصمدوا أمام مغريات السلطة والسياسة فوقعت بينهم الحروب والمعارك·· كل ذلك في عصر يدعي وارثو التزمت والجهالة اليوم أنه كان مثاليا!!

إن العلة في تشويه معالم هذا الدين العظيم إنما هي في محاولات إقحام السياسة فيه، تلك المحاولات التي بدأت مع وفاة النبي صلى الله علي وسلم ولم تنته، وقد آن الأوان لانتهائها·

فالإسلام السياسي اليوم هو الطاغي على كل من يدعي التدين والإيمان، هذا من جهة· أما من جهة أخرى فإن كل جماعات الإسلام السياسي اليوم تحتكر مفاهيم الدين لنفسها ولا تقبل أبدا مناقشة هذه المفاهيم التي هي في معظمها مغلوطة بفعل دور السياسة والمصالح وما سوى ذلك·

وهذا ليس زعما واهيا، فالتجربة خير برهان·· إذ يكفي أن يحاول أحد - مجرد المحاولة - مناقشة آراء الشيخ ابن باز وفتاويه، أو أفكار السيد خامنئي ونظرياته، حتى تصله آلاف رسائل التهديد وتتناوله الألسن بالسباب والشتيمة والإخراج عن الملة والتحقير! ذلك لأن أصحاب الجهالة ورثوا تقديس الشخصيات العلمائية دونما سبب وجيه، وهم ينقلون هذا المرض الى العامة·

وهذا هو ما يعرقل بحق كل محاولات النهوض بالأمة والسير بها في ركاب التقدم نتيجة الاصطدام بآراء أرباب التزمت والإسلام السياسي، الذين يحرمون اقتناء جهاز الساتلايت في الوقت الذي يجيزون فيه الصلح مع اليهود الغاصبين لأرضنا! أو الذين يعتبرون أن لهم المعصومية في الأقوال والأفعال باسم ولاية الأمر فيحرمون على الناس انتقادهم!

إن أحوج ما نحتاج إليه اليوم هو التحرر من قيود التزمت والجاهلية، واحتواء تعاليم الدين برحابة والانطلاقة نحو فهمها باعتدال وعمق ومزيد من التمحيص الدقيق السليم·

فالدين ليس حكرا على أحد، وهو في جوهره دين عظيم يربي أجياله على الاستنارة الفكرية والانفتاح ويدعوهم الى الحرية المطلقة وانتهاج مبادئ التعددية واللاعنف·

لكن الطامة الكبرى أن هذه الصورة المشرقة انقلبت رأسا على عقب بفعل جماعات التعصب والعنف والجاهلية، ولا يزال الإسلام يدفع الثمن اليوم عندما يقترن اسمه المشرق بأعمال العنف والإرهاب·

نعم·· نحن بحاجة الى إسلام صريح مستنير·

�����
   

نظام يحتضر:
محمد مساعد الصالح
هل العرب لا يقرأون؟(1-2):
د.عبدالمحسن يوسف جمال
هل هناك تسوية بين الأجنحة بشأن الاغتيالات الأخيرة في إيران؟:
يوسف عزيزي
فرصة لا تعوض للمعارضة العراقية:
يحيى الربيعان
من الجزائر إلى إيران:
إسحق الشيخ يعقوب
مسألة الترويج الاقتصادي:
عامر ذياب التميمي
المائة والألف:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
الخطأ الأمريكي.. والخطيئة العراقية:
سعاد المعجل
تناقضات(الحلقة الثانية):
محمد سلمان غانم
نحن بحاجة إلى "إسلام صريح" حقاً:
ياسر الحبيب
قرار اللاقرار:
أنور الرشيد
لا صلة بين جمهورية أرض الصومال وزعماء الحرب:
عبدالرزاق ميعاد
أضواء على قرار ترسيم الحدود العراقية - الكويتية:
حميد المالكي
الأمن الداخلي:
فوزية أبل