Al - Talea
رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10-16 شوال 1419هـ - 27 يناير 2 فبراير 1999
العدد 1362

تناقضات(الحلقة الثانية)
محمد سلمان غانم

التناقض بين الإنتاج والاستهلاك:

 

إن هدف أي إنتاج هو إشباع الحاجات الإنسانية المتعددة والتي تتوسع باستمرار· وهذا يعني أن الإنتاج يتم ويتحقق من أجل الاستهلاك· ويرتبط به في وحدة متكاملة· والهدف والغاية هو الإنسان نفسه وعمار حياته الدنيوية والآخروية· فالدنيا خلقت لنا ونحن خلقنا للآخرة· إلا أن الانفصال بين قطاع الإنتاج وقطاع التداول يقود إلى انفصال الإنتاج عن الاستهلاك إن الإنتاج مرتبط بالاستهلاك وفي الوقت نفسه منفصل عنه والعلاقة بينهما مضطربة وتناحرية· فغرض الإنتاج الرأسمالي هو الحصول على الحد الأقصى من الربح أو العائد· أي الاستحواذ على فضل القيمة (السحت)· ويتحقق ذلك بتوسيع وتمدد الإنتاج وتركز الرأسماليين· إلا أن السعي وراء الربح يعني تخفيض الأجور· وتخفيض مستوى حياة الشغيلة والمنتجين· وتقل قدرتهم على الدفع ممايؤدي إلى انكماش السوق وعدم القدرة على تصريف كامل الإنتاج·

وتسعى الملاكية (البرجوازية) إلى التعويض عن السوق المحلية وذلك بالاستيلاء على الأسواق الخارجية· والمزاحمة على المستوى العالمي والصراع الحاد على مناطق النفوذ· والتي يصل بعضها إلى حد إثارة الحروب والنزاعات المختلفة بين الدول·

إن كل شيء في العالم الرأسمالي يمر عبر السوق· بما في ذلك الديمقراطية التعديدية الليبرالية، التي تضمن حالياً سيادة الاحتكارات وسيادة رأس المال· فإذا تعارضت الديمقراطية مع رأس المال فعلى الدنيا السلام· إننا لا ننفي أن الإنتاج مرتبط بالاستهلاك بل هذا هو غايته، وهو الحافز على العلم والمجدد للحياة الإنسانية· وبل إن العمل هو الحاجة الأولى للإنسان بل هو الخالق للإنسان ذاته كما شاءت الإرادة الإلهية· ولكننا نؤكد على الطابع المتناقض لهذه العلاقة· فهدف الإنتاج الرأسمالي ليس الاستهلاك وإنما إنتاج السحت· ولا يقوم الإنتاج إلا لأن الطبقة العاملة التي تجدد قيمة قوتها باستمرار عن طريق الاستهلاك الشخصي· وبالتالي فإن جماهير الشغيلة، من العامل إلى العالم، هي مصدر العمل من جهة ووسيلته لتحويل فضل القيمة إلى ربح من جهة أخرى·

وينم هذا التناقض والاضطراب للعلاقة بين العمل ورأس المال والإنتاج والاستهلاك عن الطابع غير الأخلاقي للرأسمالية· فهي تستغل وجود الإنسان ولم تخلقه· فالناس من خلق الله· وأسباب الرزق (القوى المنتجة) من الله· ولم يكلف الرأسماليون شيئاً لقيام الحياة الدنيا· حتى ينصب ويعلن رأس المال نفسه: أنا ربكم الأعلى· ثم إن زيادة إنتاجية العمل مرهونة بتقدم العلم والتكنولوجيا· وهما نتاج التطور الاقتصادي والاجتماعي· والذي يستخدمة ويستحوذ عليه الرأسماليون مجانا، بينما هو في حقيقته نتاج العمل الإنساني العام عبر آلاف السنين· ولكنه يظهر ويتجسد وكأنه قوة منتجة ناشئة عن الرأسمال ذاته· بينما في الحقيقة إن الرأسماليين مجرد جباة للفائض الاقتصادي الذي ينتجه الآخرون والذي لا يعدو كونه سرقة طبقية·

إلا أن الطاقة الاستهلاكية للجماهير غالباً ما تكون محدودة ومرتبطة، قبل كل شيء، بقانون قيمة القوت· وينظمها قانون السحت ومهما ارتفعت إنتاجية العمل، فإن دخل الشغيلة والعاملين لا يبلغ مستوى قيمة القوت والإمكانيات المتوفرة لرفع مستوى المعيشة· إن إفقار الشغيلة والمنتجين النسبى والمطلق تدل على أن إمكانية الإنتاج الاجتماعي في التوسع محدودة لكونها مرتبطة بالأساس الضيق الذي يقوم عليه استهلاك جماهير المستضعفين والمعدومين·

إن تحقيق السحت يتعلق بقدرة المجتمع الاستهلاكي· وهذه لا تحددها القدرة الإنتاجية المطلقة· ولا مستوى الطاقة الاستهلاكية· وإنما علاقات التوزيع الطبقية السائدة وما تنطوي عليه من تناقض وصدام·

هذه العلاقات تدفع استهلاك جماهير المجتمع الواسعة إلى حده الأدنى الذي لا يتبدل إلا ضمن حدود ضيقة إلى هذا الحد أو ذاك· ثم إن قدرة المجتمع الاستهلاكية هذه محدودة أيضاً بالميل إلى التراكم، بالميل إلى زيادة الرأسمال، وإنتاج فضل القيمة على نطاق واسع· إن رأس المال الاجتماعي ينقسم إلى إنتاج وسائل الإنتاج (الماعون) وإنتاج وسائل الاستهلاك· والجماهير الواسعة هي المستهلك الرئيس لوسائل المعيشة الضرورية· وانخفاض قدرتها على الدفع أو قوتها الشرائية يعرقل إنتاج سلع الاستهلاك· ولهذا يتعرض هذا القطاع للانكماش· ويتطور ببطء· أو على الأقل لا يستنفد كامل إمكانياته· ولا يلبث أن يؤثر على تطور القطاع الأول الذي يعجز على تصريف وسائل الإنتاج للقطاع الثاني· بسبب طاقته الاستيعابية المحدودة· ولا تتطور فروع الصناعة الثقيلة إلا باعتمادها على الاستهلاك العام·

وقصوره العاجز، وهكذا تضطرب عمليات الإنتاج والتوزيع والتصريف وتعم الاقتصاد الفوضى والخرق المستمر للتناسق المنشود بين فروع الإنتاج·

ولكن ماذا عن استهلاك الرأسماليين والاقطاعيين وحاشيتهم، و الشرائح غير المنتجة كافة؟ لاشك أن مصدره السحت "سماعون للكذب آكلون للسحت" 42 ــ المائدة وينقسم هذا السحت إلى رأسمال للتراكم والاستثمار الاستغلالي، ودخل للإنفاق الاستهلاكي وكلما ازداد السحت تضخم هذا الإنفاق ، والسحت الذي يذهب للاستثمار يتباطأ قياسا إلى الجزء الذي يذهب للاستهلاك غير المنتج "وهو أمر ناجم عن تعاظم النفقات اللا إنتاجية وتعاظم استهلاك الرأسماليين الطفيلي، ففي المرحلة الإمبريالية تزداد بسرعة قصوى مداخيل مختلف فئات الريعيين، هؤلاء ينالون دخلهم تحت شكل فوائد على القروض، أو أرباح أسهم أو ريع أرضي·· إلخ ويستخدمونه كليا تقريبا، لسد حاجاتهم الشخصية ونزواتهم، وللمضاربة·· كما تخصص الدول الإمبريالية أموالا متزايدة باستمرار لتنفق على التجسس، والتآمر، وعلى شراء موظفين حكوميين، وقادة اجتماعيين في البلدان الأخرى، وعلى إعالة القوى المسلحة والقواعد العسكرية هناك"·

وهكذا ، يذهب قسم متزايد من السحت إلى الحروب وسباق التسلح والإنفاق غير الصالح وتمويل الصراع بين الدول  الإمبريالية على الأسواق ومصادر المواد الأولية وفرض الهيمنة والتابعية على البلدان النامية·

ويقلل الاستهلاك الطفيلي من الأموال التي يمكن أن تذهب إلى التراكم الرأسمالي والاستثمار المنتج· أما دخول الطبقات السفلى فلا تتجاوز مستوى استهلاكها من السلع الضرورية والرديئة، وكثير منها غير صحي أو مغشوش·

وتميل الطبقة  الملاكية الطفيلية إلى الاكتناز من  الذهب والماس والأحجار النفيسة· وغيرها من المقتنيات الفاخرة وذلك للاستعراض السمج الذي يعكس الذوق المنحط للرأسماليين المجرمة· وهي غالباماتنظر إلى قيمة المقتنيات على أساس قيمتها التبادلية الكبيرة، وليس قيمتها الاستعمالية التي يمكن أن يعكس طابعها الفني ذوقا راقيا بأنواعه وأشكاله الغنية وسماته الرفيعة ، بل حتى السلع الكمالية لا تعبر عموما عن المنجزات السامية، الروحية والمادية للحضارة الإنسانية· وينطوي الإسراف والتبذير على بخل مقيت واستهجان زائف· مقرونة بالركض وراء الأرباح والريوع· وتشديد استغلال واضطهاد الجماهير المستضعفة · وتنحرف هذه الأخلاقيات والسلوك عن الزينة التي أمرنا الله أن نتحلى بها"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" 32 ـ الأعراف·

إن الزينة الإلهية هي التوجه الكامل نحو استيعاب قيم ومبادئ الحياة الحرة الكريمة، والتعبير عنها في الممارسة والتطبيق· وتجسيدها في رموز بالغة الدقة والتأثير المعنوي الإيجابي الزاخر بالروح الحية في تساميها البديع·

�����
   

نظام يحتضر:
محمد مساعد الصالح
هل العرب لا يقرأون؟(1-2):
د.عبدالمحسن يوسف جمال
هل هناك تسوية بين الأجنحة بشأن الاغتيالات الأخيرة في إيران؟:
يوسف عزيزي
فرصة لا تعوض للمعارضة العراقية:
يحيى الربيعان
من الجزائر إلى إيران:
إسحق الشيخ يعقوب
مسألة الترويج الاقتصادي:
عامر ذياب التميمي
المائة والألف:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
الخطأ الأمريكي.. والخطيئة العراقية:
سعاد المعجل
تناقضات(الحلقة الثانية):
محمد سلمان غانم
نحن بحاجة إلى "إسلام صريح" حقاً:
ياسر الحبيب
قرار اللاقرار:
أنور الرشيد
لا صلة بين جمهورية أرض الصومال وزعماء الحرب:
عبدالرزاق ميعاد
أضواء على قرار ترسيم الحدود العراقية - الكويتية:
حميد المالكي
الأمن الداخلي:
فوزية أبل