لم نكن نتوقع من القمم العربية أن تخرج بقرارات تغير الواقع العربي، وإن خرجت مثل هذه القرارات فستكون حبراً على ورق· هذا هو رأي السواد الأعظم من أبناء الأمة العربية، فمصداقية الجامعة العربية وقدرتها على الفعل في الحضيض· أما أن لا تستطيع هذه الجامعة ومن ورائها أركان النظام العربي من التمام شملهم في اجتماع يسمى " قمة عربية " فهذا أدنى درجات الدرك الذي وصل إليه العمل العربي المشترك·
ولعل القمة الأخيرة التي ألغيت وهي قاب قوسين أو أدنى من الانعقاد هي قمة القمم أو كانت ستكون قمة القمم - على الأقل - على مستوى الشعارات والكلام البراق· فإن كانت القمم السابقة تدور في مجملها حول القضية الفلسطينية، فإن القمة " الموءودة " كانت ستتناول الشأن الداخلي العربي لأول مرة، أما القضية الفلسطينية فالمزايدات بشأنها أمر أتقنته الأنظمة العربية وبالتالي لا تخشاه، في حين أن الحديث عن الشأن الداخلي المتمثل في الدعوة إلى الإصلاح وتبني الديمقراطية وإفساح المجال لنمو المجتمع المدني وتداول السلطة وحرية الصحافة والتجمع والأقليات، فهذه " محرمات " يتداولها مسؤولو كل قطر في بلادهم بتكتم وراء جدران حدودهم العالية، إذ هي من شروط " السيادة "، أما أن ينشروا غسيلهم على الملأ فهذا من رابع المستحيلات!!
وكانت تلك القمة الموءودة ستناقش لأول مرة شأناً داخلياً عربياً وهو الدعوة إلى الإصلاح الذي تتبناه الإدارة الأمريكية، وسواء صدقت تلك الإدارة في دعواها أم لم تصدق، فإن الإصلاح جزء من برنامج الحركة الوطنية العربية تناضل من أجل تحقيقه سنوات طويلة، وقد تستفيد في هذه اللحظات التاريخية من الزخم الدولي، أما الأنظمة العربية فهي - كما يقال - في "حيص بيص"، فهي من ناحية صديقة للولايات المتحدة وبالتالي تحاول جاهدة خطب ودها، وهي في المقابل غير مؤمنة بتلك الإصلاحات التي تمسها في الصميم، حيث تعودت على الاستفراد بالسلطة والحكم بقوانين الطوارئ· لذا، فهي تارة تقول إن الإصلاح يجب أن ينبع من صميم المجتمعات العربية وطوراً تقول إن الإصلاحات قد بدأت ولا حاجة لنقاشها!!
والحق أنه من غير تجنيد الرأي العام العربي وبلورة أفكاره وتركيزها على الدعوة إلى الإصلاح الديمقراطي لتكون عامل ضغط فعلي، فإن الأنظمة العربية لن تخطو أي خطوة إلى الأمام في ظل المدارات الأمريكية!!
alyusefi@taleea.com |