| تنتاب المرء الدهشة والذهول لهذا الصمت العربي المريب والشامل تجاه ما يحدث فوق أرض دولة عربية أفريقية من جرائم وفظائع وحشية تقشعر لها الأبدان أبرزها الاغتصابات وأعمال القتل الجماعية - لكي لا نسميها بأعمال الإبادة الجماعية كما تتحدث بذلك مختلف التقارير والشهادات الدولية - وكل ذلك يحدث على أيدي ميليشيا "عربية" مدعومة من قوات نظام عربي بل شريكة في أغلب الأحيان في ارتكاب تلك الموبقات·· وكأن كل ذلك يجري على كوكب آخر غير كوكبنا بل في عالم آخر غير عالمنا العربي أو غير عالمنا الإسلامي، وكلاهما له منظماته الإقليمية والدولية ومؤتمرات قمة كل منهما·
على مدى شهرين أو أكثر وهذا السيل المتدفق من الشهادات والتقارير الإخبارية الواردة من "دارفور" مستمر يغطي كل وسائل الإعلام العالمية وهي تستصرخ كل ضمير حي في المجتمع الدولي لإنقاذ أهالي تلك المنطقة المنكوبة من تلك الفظائع، والعالم كله يتنادى من دول ومنظمات إنسانية وسياسية ودينية واجتماعية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعرب والمسلمون بدوا وكأنهم جميعهم بصمتهم المتخاذل ما زالوا ينتمون الى مرحلة تاريخية غابرة لا صلة لها البتة بمرحلة ما بعد الحرب الباردة بكل سماتها وخصائصها الديمقراطية والإنسانية التي يتسابق الكثير من دول وشعوب العالم للاندماج فيها، أو رفع وتبني شعاراتها، ولا يقتصر هذا الصمت المريب على حكومات العالمين العربي والإسلامي فحسب بل يمتد الى المنظمات الحقوقية والإنسانية والى الحركات والأحزاب السياسية وسائر المنظمات ذات الشأن، ونستطيع أن نجمل في إيجاز شديد أبرز صور وأشكال هذه المحنة الإنسانية التي تعرض لها أهالي "دارفور" بناء على معطيات مئات الشهادات والتقارير الإخبارية الدولية فضلا عن السودانية والأفريقية فيما يلي:
- هجمات منهجية ما زالت متواصلة على المدنيين في ولايات شمال "دارفور" وغربها وجنوبها على أيدي قوات ميليشيا "الجنجويد" المدعومة من نظام الخرطوم بغطاء من قصف جوي على القرى والمناطق المنكوبة في الإقليم، وفي أثنائها ترتكب أعمال القتل الجماعية والاغتصاب والتهجير القسري من المنازل التي تدمر وتنهب، والمحاصيل والمواشي التي تحرق وتسلب·
أغلب حالات الاغتصاب التي ارتكبت بحق آلاف النساء جرت لنساء لم يتمكن من الوصول الى مخيمات المفوضية العليا للاجئين على الحدود مع تشاد، وقد جرى الكثير منها في الساحات المكشوفة أمام أزواجهن وأقربائهن وطالت الحوامل والقاصرات والأطفال وكل ذلك في ظل أوضاع صحية وغذائية مزرية·
والمشكلة أنه في عالم اليوم الذي بات يطلق عليه "القرية الكونية" لما أحدثته فيه ثورة الاتصالات من ترابط شديد ما زال النظام السوداني لا يجد أدنى غضاضة أو حرج في نفي كل هذه الفظائع والممارسات الوحشية اللاإنسانية واعتبارها مجرد تخرصات وأكاذيب تجري في سياق مؤامرة على "ثورة الإنقاذ" الإسلامية السودانية مكذبا كل هذه الشهادات والحقائق الدامغة التي يتحدث عنها العالم بأجمعه وتقض مضاجع الضمائر الحية في مختلف أرجاء المعمورة·
ولا أحد من العرب والمسلمين للأسف ينتبه الى خطورة هذا الصمت الذي يلوذون به على أمنهم القومي ومستقبل تعزيز التضامن والدعم مع قضاياهم الوطنية والقومية وهم يلتزمون بهذه المقولة: "لا أرى لا أسمع لا أتكلم"·
وإذا كان ما يرتكب اليوم في "دارفور" يعري بامتياز نظاما شموليا فشل في مصداقية شعاراته الإسلامية حيث آخر ضحاياه في "دارفور" من المسلمين الأفارقة على أيدي عرب مسلمين فإن العرب لا يبدو قد اتعظوا من محن نظام المقابر الجماعية وإبادة "حلبجة" العراقية، فإذا كانت هذه الجرائم على يد سفاح العراق السابق قد شكلت المقدمات لفتح ثغرة خطيرة في سقف الأمن الوطني، فالأمن القومي العربي حيث حصار العراق ثم احتلاله وتدمير قدراته العسكرية ونهب موارده البشرية، فهذا هو ما يجري الآن بالضبط في السودان في ظل استخفاف الدول العربية والجامعة العربية بخطورة السكوت عن قضايا حقوق الإنسان التي طالما ظلت أكبر الثغرات في عصرنا الراهن لتوظيفها للتدخل الدولي والاحتلال كما جرى في العراق· |
