رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 18 جمادى الأخرى 1425هـ - 4 أغسطس 2004
العدد 1639

العراق والمحنة
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

عندما يتمعن المرء في أوضاع العراق الراهنة يجب أن يتذكر  ما مر به هذا البلد من مشاكل ونكبات ومحن··· ومما لا شك فيه أن أهم المحن والنكبات هي استيلاء حزب البعث على السلطة هناك في يوليو (تموز) 1968 حيث لم يكن العراق في أحسن أحواله آنذاك فكان يشكو من عدم الاستقرار السياسي والطموح غير الشرعي لعدد من العسكريين الراغبين في الاستيلاء على السلطات كما لم تكن الظروف الاقتصادية مواتية آنذاك لكن سيطرة البعث ومن ثم مركزية الحكم بيد صدام حسين بعد ذلك أفقدت العراق فرص مهمة للتنمية السياسية والاقتصادية، وكما هو معلوم أن التطورات المهمة في صناعة النفط - والعراق بلد مصدر للنفط وعضو في منظمة "الأوبك" - جرت في عقد السبعينات وبعد انقلاب تموز (يوليو) 1968 وقد تحقق للعراق دخل من النفط بعد الصدمة النفطية الأولى في عام 1974 مما زاد من قدراته الاقتصادية وفوائضه المالية بشكل غير مسبوق في تاريخه المعاصر، لكن كيف تم توظيف تلك الأموال على مدى السنوات اللاحقة؟ ليس هناك من حاجة للإجابة عن هذا التساؤل، حيث إن الأموال أهدرت على الإنفاق العسكري والمغامرات والأمن والحروب العبثية·

 بطبيعة الحال ولكي يكون المرء منصفا للتطور التاريخي هناك فلابد من الإقرار بأن الحكومات المتعاقبة على حكم العراق منذ بداية تاريخه السياسي المعاصر في عام 1920 لم تتصرف بحكمة في تعاملها مع متطلبات الشعب العراقي، وقد دخلت تلك الحكومات في صراعات مستمرة مع الآشوريين من الأكراد وغيرهم منذ مطلع الثلاثينات، وتلك الصراعات أدت إلى هدر الإمكانيات الاقتصادية المحدودة للبلاد آنذاك كما أنها أججت صراعات سياسية غير موفقة كان يمكن تفاديها بالتعامل  الحكيم والموضوعي، وفي ذات الوقت أدت تلك الصراعات إلى تقوية العسكر وانتهاجها لعقيدة عدوانية تجاه الآخرين ولابد أن تلك التطورات دفعت الكثير من الجنرالات والعقداء في المؤسسة العسكرية العراقية الى محاولة قلب نظام الحكم منذ عام 1936، ثم في عام 1941 استولت مجموعة من العقداء على الحكم مدفوعة بقيم قومية متطرفة مراهنة على دعم دول المحور النازية، كل هذه الأحداث لم تمكن من الاستقرار السياسي ومن ثم التطور التنموي في البلاد·

 لكن ما حدث في عام 1958 وفي شهر يوليو (تموز) من ذلك العام دفع العسكريون للانفراد بالسلطة بشكل واضح ودون منازعة من أطراف أخرى، ومن الصحيح القول إن جبهة وطنية قد شكلت من عدد من الأحزاب العراقية الفاعلة آنذاك لتغيير النظام الملكي وتأسيس قواعد للديمقراطية في البلاد لكن المراهنة على العسكريين لم تكن موفقة كما أن التصرفات غير العقلانية لعدد من تلك الأحزاب قضت على كل الآمال الهادفة لتحويل العراق إلى بلد قانون ومؤسسات ديمقراطية لا ريب أن ذلك الانقلاب جاء بعد تطورات مشابهة في سورية ومصر وخصوصا ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، وحرب السويس عام 1956 وتأسيس دولة الوحدة في فبراير (شباط) من عام 1958 كل تلك الأحداث شجعت الضباط لإنجاز انقلابهم متشجعين بالمد القومي والحماس الشعبي للتغيير ما حدث بعد ذلك مثل كارثة مستمرة للعراق، حيث اشتد الصراع بين الأحزاب السياسية والقومية وازدادت النزاعات بين صفوف الضباط وعساكرهم·

 إن التطورات التي حدثت في العراق خلال السنوات الثمانين، أو أكثر، الماضية تؤكد عدم تمكن العراقيين من الاستفادة من ثرواتهم وإمكاناتهم البشرية لبناء اقتصاد مواتٍ لتوفير العدالة الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة وخلق بنية مؤسسية داعمة للحقوق الأساسية للمواطنين· ودون جدال فإن استيلاء العسكر على السلطة كان أكبر ضربة للتنمية الاقتصادية وأدى إلى تخصيص الموارد في قنوات غير منتجة ومفيدة، وغني عن البيان أن قدوم البعث للسلطة في أواخر الستينات من القرن الماضي قد أكد استمرار حرمان العراقيين من الاستفادة من مواردهم· وجاءت الكوارث  متتابعة في ذلك العهد منذ بداية الصراع مع الأكراد الذي أصبح داميا في أوائل السبعينات من القرن الماضي والذي انتهى دون صلح سياسي مقبول بعد توقيع اتفاقية شط العرب مع شاه إيران عام 1975، وليس هناك من ضرورة للتذكير بالكوارث اللاحقة مثل الحرب العراقية الإيرانية أو تبني سياسة إنتاج أسلحة الدمار الشامل ثم غزو واحتلال الكويت·

وبالرغم من عدم صلاحية الإدارة الاقتصادية فإن العراق امتلك حتى عام 1980 ما يربو على 38 بليون دولار أمريكي من أرصدة مالية كان يمكن أن تكون أدوات مالية لتطوير بنية الاقتصاد العراقي وتفعيل برامج التنمية· ما كان مفقودا هو الإدارة الاقتصادية القادرة على تحديد الأولويات الإنفاقية، وأهم من هذه الإدارة الاقتصادية تلك الإدارة السياسية القادرة على فهم احتياجات الشعب العراقي بموجب تفويض ديمقراطي مناسب، وإذا قرأ المرء هذه الأحداث فلابد أن يفهم المشاكل التي يواجهها العهد الجديد في العراق، ومن ثم يتفهم الاختلالات البنيوية والمعضلات الاجتماعية الراهنة· إن العزيمة والدعم الدوليين ستمكناننا من تجاوز المشكلات لكن لابد من تطويع المجتمع من خلال الممارسة الديمقراطية وتبني نظام تعليمي عصري لتمكين العناصر الشابة من تجاوز مآسي الماضي، كما يجب تطوير النظام الإعلامي للمساهمة في خلق قيم ثقافية وفكرية تتوافق مع مستلزمات التنمية المستدامة·

tameemi@taleea.com

�����
   

بدون تعليق···!:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الجماعات الدينية تبحث عن الأسهل:
سعود راشد العنزي
نظرة موضوعية الى ثورة يوليو:
يحيى علامو
تابعوا ما يجري في السعودية:
صلاح الفضلي
بين السمعة والشخصية:
فهد راشد المطيري
العراق والمحنة:
عامر ذياب التميمي
أطماع لا تنتهي··· واتهامات باطلة:
المحامي نايف بدر العتيبي
ديرتنا تستاهل الدلال:
إيمان علي أسد
توسيع استثمارات الكويت في العراق:
د. جلال محمد آل رشيد
الهجرة الروسية المعاكسة:
عبدالله عيسى الموسوي
مثقفون في جحورهم:
د. سامي عبدالعزيز المانع
الفضائية الكويتية صوت العراقيين الذين لا صوت لهم
الفضائيات العراقية تكسر احتكار الفضاء:
حميد المالكي
"دارفور" يا عرب!:
رضي السماك