كان من عادة من يريد أن يحصل على جائزة في زمن الخلافة الأموية والعباسية أن يتوسل الى حاجته بأبيات من الشعر يمدح فيها الخليفة أو الوالي ليقضي حاجته ويمنحه ما يريد من بيت المال، ويروي المسعودي في مروج الذهب أن رجلا من ذوي الحسب وقف يوما لهارون الرشيد على الطريق وألقى إليه برقعة فإذا فيها أبيات شعرية فقرأها الرشيد واستحسن ذلك الشعر كثيرا فأمر للرجل عن كل بيت بألف دينار·
بالطبع لم تكن عطايا الخليفة في ذلك الزمان متساوية وإنما كان كرم الخليفة يعتمد على حظوة القائل ومقامه، فقد تكون الأعطية خمسمائة درهم بالنسبة لرجل أعرابي جاء يستجدي عطاء الخليفة ليسد حاجة عياله، في حين أن عطاء الخليفة قد يصل الى أموال طائلة أت بستاين للإشراف وأصحاب النسب الرفيع وخاصة إذا ما كان الخليفة في مزاج معتددل·
إذا كان من يريد أن يحصل على نوال الخليفة في زمن الأمويين والعباسيين يقدم بين حاجته شعرا فإن "وسيلة" أبناء زماننا أن يتقدموا "بمبادرة" من بنات أو أبناء أفكارهم، وإذا كانت عطايا السابقين صرة دارهم وبساتين فإن عطايا أهل هذا الزمن "أراضي لتنفيذ المبادرات"·
ولعل أكثر هذه المبادرات شهرة وصيتا شركة الوسيلة التي بدأت بمليون دينار ثم بقدرة قادر أصبح رأس مالها 20 مليون دينار المدفوع منه 200 ألف دينار فقط، في حين أن قيمة المشروع السوقية وصلت الى 56 مليون دينار فقط·
أتمنى من الحكومة وهي تقدم على هكذا "عطايا" لأصحاب النفوذ أن تفكر بردة فعل المواطن العادي الذي تطالبه بالالتزالم بالقانون وتدعوه للمحافظة على المصلحة العامة، ولكن المسكين في المقابل يقرأ ويسمع عن ملايين تذهب هنا وهناك لأصحاب النفوذ مقابل "فكرة"، وكان الحكومة عاجزة بمستشاريها وأجهزتها الجرارة عن الاتيان بأفكار جديدة، وإذا كانت مجرد فكرة تساوي الملايين فإنه يحق لكل مواطن أن يقول إنه أيضا لديه أفكار وليست فكرة فهل سيحالفه الحظ بالحصول على "وسيلة"؟!
أثير حول مشروع الوسيلة الكثير من الكلام وأصبحت الجرايد ساحة للسجال بين أصحاب الشركة وديوان المحاسبة الذي أصدر تقريرا يبين المخالفات الجسيمة في تنفيذ المشروع، ثم قبل أيام صددر تقرير آخر من الهيئة العامة للصناعة تؤيد وتؤكد ما انتهى إليه ديوان المحاسبة، ويتبقى جهة واحدة تنظر في الموضوع وهي الفتوى والتشريع التابع لمجلس الوزراء والتي أصبحت في وضع حرج بعد تقريري ديوان المحاسبة والهيئة العامة للصناعة·
القرار الآن كما يبدو بيد وزيرالتجارة د· يوسف الزلزلة، وهناك توقعات متضاربة عن القرار الذي سيتخذه تجاه مشروع "الوسيلة"، فهناك من يقول إن د· يوسف سوف "يمشي" الموضوع لأن أصحاب المشروع "ظهرهم" قوي ومستندين إلى ركن شديد وهم سيمارسون عليه ضغوط هائلة لا قبل له بها، وهناك قسم آخر من أصحاب التوقعات - وأنا منهم - يقولون إن السيد لن يمرر الموضوع لأنه سوف يخل بمصداقيته ويهز صورته أمام من يرون فيه رجل لا يقبل بهكذا تلاعب، ولذلك فإننا نراهن على موقف السيد وسننتظر لنرى ما هو فاعل· |