رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 اكتوبر 2006
العدد 1745

رمضان ومفارقات الزمان
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

أقبل شهر رمضان المبارك بجوّه الروحاني الجميل الذي يتسرب إلى القلوب المتعبة فيغسلها بماء الرجاء والمحبة والسماحة والكرم، فتغدو حينئذ أقرب إلى حقيقتها الإنسانية السامية، فتعلو فوق طبيعة الطين الملتصقة بالأرض محلقة في سماء الروح الباحثة عن السكينة والطمأنينة والمعاني الخالدة الباقية التي خلق الإنسان من أجلها، والتي كرّم بها على سائر مخلوقات الله في كونه الواسع الكبير· وقد يشعر منّا أنّ نسائم رمضان المباركة تسبقه عادة، فنحس بقربه ونستشعر وجوده في الأجواء من دون أن يكون لهذا الإحساس تفسير منطقي يتكئ على العقل والمادة والحدود الضيقة التي يميل بعضنا إلى التمسك بها والاستناد إليها· وهكذا تغدو النفوس في حالة استعداد للتخفف من ثقل الدنيا وهمومها اليومية اللانهائية، والسفر في دروب المحبين إلى ربّ العباد·

ومع أنّ هذه المشاعر ما زالت باقية في نفوس الكثيرين منا، يستمسكون بها ويتعلقون ببقية منها فإن رمضان في زماننا هذا ليس كرمضان في أزمنة سابقة· ولا شك أنّنا لا نستطيع أن ننكر أو نتجاهل طبيعة الحياة وسنة التغيير فيها التي لا تدع شيئا يبقى على حال· فليس من المعقول أن نتوقع أن يكون رمضان في زمننا الحالي الذي يرزح تحت وطأة مؤثرات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ذات سطوة نافذة، وقدرة على تجاوز الحدود المكانية والعقول والثوابت كرمضان في زمن ماض حيث كان العالم منفصلا عن بعضه البعض، وكان البعد المكاني والانعزال عن الآخر يحقق شيئا من الخصوصية العصية على التغيير والتأثر السريع المستمر· فعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي اكتسبها العالم من التقدم العلمي والتقني الهائل، والتأثير الكبير لحركة الاندماج والتداخل بين الحضارات المختلفة والثقافات المتغايرة فإن هذا الأمر لا يخلو من آثار سيئة تكاد تسلب الأشياء قيمتها وتقلب حقيقتها حتى صار الأمر يصل أحيانا إلى درجة التعارض الصارخ الذي يجعل المرء يحاول جاهدا أن يجد موازين معقولة يزن بها الأمور ويفهم بها ما طرأ على الحياة من تقلبات وتناقضات·

فكثيرا ما يتساءل المرء عن العلاقة بين شهر رمضان الكريم وبعض العادات الطارئة الدخيلة أو بعض المظاهر التي لا رابط بينها وبين مفهوم هذا الشهر وما أراد الله له أن يكون عليه· وإن الأمر ليزداد غرابة حين تصبح هذه الأمور من لوازم رمضان التي لا تنفك عنه، على الرغم من التناقض الواضح بينها وبين حقيقته وغاياته الروحية السامية· وأول هذه التناقضات وأكثرها شيوعا في وقتنا هذا هو الربط بين رمضان والكسل والنوم؛ فقد أصبح الكثيرون منا يرون في رمضان نهارات متواصلة من الخمول والكسل، وعدم القدرة على إنجاز الأعمال، وضيق الخلق والتأفف من كل شيء، والغضب لأقل شيء· مع أنّ رمضان كان في تاريخنا الزاخر شهر الإنجازات والانتصارات والعمل الدؤوب المستمر·

أما أكثر التناقضات وضوحا فهي الربط بين شهر رمضان والمسلسلات الدرامية  والبرامج الترفيهية، فقد أصبحنا نشاهد ونحن نقترب من هذا الشهر إعلانات القنوات التلفزيونية التي تدخل في حمى التسابق على التفوق في عرض أكبر عدد ممكن من المسلسلات الجديدة والبرامج التي تدعي أنها مبتكرة في فكرتها وتنفيذها· وليس اعتراضنا على ذلك من حيث المبدأ، ولكنّ سؤالا يبقى يلحّ على النفس ولا يجد جوابا مقنعا شافيا، فالأمر قائم على مفارقة صارخة بين طبيعة شهر رمضان وجوّه الديني الذي يفترض به أن يعبق بعبير الاجتهاد في العبادة والعمل والتواصل مع الأحبة والأهل والبر بالأرحام والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين وما يفترضه هذا الكم الهائل من المسلسلات التلفزيونية من أنّ هذا الشهر هو شهر تفرغ لمشاهدة التلفاز ومتابعة برامجه المتكاثرة المتنافسة· فما العلاقة المنطقية المقبولة التي ينطلق منها الناس في أيامنا هذه للربط بين شهر العبادة والتسمر أمام جهاز التلفاز للتنقل بين قنواته المختلفة آناء الليل وأطراف النهار؟ وكيف وصل بنا الأمر إلى أن تصبح هذه العادة من لوازم رمضان وخصائصه التي تميزه عن باقي شهور السنة؟

ومن التناقضات التي يراها الإنسان في هذا الشهر الفضيل ولا يجد لها تفسيرا مقبولا، إقبال الكثير من الناس على قضاء الليل في سهرات متواصلة في مقاهي الشيشة والمطاعم التي تفتخر بتقديم أرقى أنواع الأطعمة مصحوبة بالموسيقا الشرقية أو مقدمة على صوت مطرب أو مطربة لإضفاء جو الأنس على السهرات الرمضانية الجميلة! فهذه أيضا من المفارقات الفاقعة التي تجرد شهر رمضان من مضامينه وحقيقته التي أراد الله لها أن تتجسد في ممارسات تعبدية روحية لا صلة بينها وبين مثل هذه السهرات والجلسات· يحق للمرء أن يتساءل كيف يمكن أن يفرّغ الشيء من مضمونه؟ وكيف يمكن أن يلبس الشيء لباس نقيضه؟ وكيف - وهذا ما يدعو إلى التأمل والتفكر- يغدو هذا الأمر طبيعيا مقبولا عند عامة الناس· بل إنه إذا حدث أن جرّد رمضان من هذه التناقضات التي ذكرناها فإن كثيرين منا سيشعرون بالغربة فيه وسيحسون بأنّ هناك شيئا ناقصا وفراغا كبيرا لا يمكن أن يملؤه أي بديل·

إنّ هذه الظواهر تستحق منا شيئا من الالتفات والتأمل؛ فهي تنبئ عن أشياء كثيرة، وتشير إلى عمق التغيير الذي قد يصيب المجتمع ويؤثر فيه وفي تكوينه وثوابته في غياب وعي متيقظ حساس يشعر بدوران الزمان وانقلاب الموازين· لقد دار الزمان علينا دورات كثيرة حتى صرنا لا ندري ولا نتذكر متى أصبح رمضان- عندنا - شهرا للخمول والكسل والأطعمة الكثيرة المنوعة، وأياما تنقضي في متابعة المسلسلات والبرامج التلفزيونية، وليالي نستمتع فيها بسهرات تعبق بدخان الشيشة على خلفية الموسيقا والأغاني والطرب· إنه أمر يدعو حقا إلى التأمل فهو يتجاوز درجات التغيير المقبولة إلى مستوى من التناقض العجيب، وأعجب منه أن يصبح التناقض تناغما مقبولا لازما وعلامة فارقة واقترانا شرطيا تتربى عليه الأجيال جيلا بعد جيل·

* جامعة الامارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

قوس التطرف:
سعاد المعجل
زمانان ما بين هدى وليلى:
د. محمد عبدالله المطوع
الفساد وذاكرة المجتمع:
محمد بو شهري
لاحاجة إلى حوار بين الأديان:
فهد راشد المطيري
ماكو فايدة:
على محمود خاجه
فراش الوزير "وزير":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
نواب الأمة كل وهمّه:
المهندس محمد فهد الظفيري
كارثة الغزو.. كلاكيتزز ثاني مرة:
صلاح الهاشم
سبع سنوات أخرى:
د. محمد حسين اليوسفي
رمضان ومفارقات الزمان:
د. لطيفة النجار
عام الهزيمة والإحباط في إسرائيل:
عبدالله عيسى الموسوي
في ما أثاره حارس العقيدة من جدل:
منصور مبارك
كاميرات في حفلات الزفاف:
د. فاطمة البريكي