رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 اكتوبر 2006
العدد 1745

كاميرات في حفلات الزفاف
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

تحدثت في الأسبوع الماضي عن الأخلاق في العملية التعليمية، وقد فتح هذا الموضوع أبوابًا كثيرة اتضح لي من خلالها أننا في حاجة إلى الكلام على الأخلاق في مختلف جوانب حياتنا، إذ يبدو أنها بدأت تتناقص منذ زمن ونحن لا نشعر بذلك، والخوف كل الخوف من أن يأتي يوم لا يعود لها وجود بيننا، خصوصًا أن إشارات حدوث مثل هذا الأمر أصبحت قوية وواضحة، تنذرنا لكي نفعل شيئًا جذريًا، غير الوقاية والدفاع، حتى نقضي على احتمال أفول نجم الأخلاق في مجتمعنا·

ولكي لا يتسع الموضوع كثيرًا سأتوقف في هذا المقال عند جزئية محددة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمقال الأسبوع الماضي، ولكن على مستوى أعلى، ومصيبتنا في هذه الجزئية أكبر، لأننا في الأسبوع الماضي تحدثنا عن سوء استخدام طلبة المدارس للتقنيات الحديثة، وقيامهم بتصوير معلماتهم في صفوف المدرسة أثناء شرح الدروس، ولكن حديث اليوم سيتناول الفعل نفسه ولكن من فاعلين مختلفين، المفروض أنهم أكبر سنًا مما يعني أنهم أكثر نضجًا ووعيًا وإدراكًا لعواقب ما يصدر عنهم من أفعال·

لقد أصبحت ظاهرة استخدام عدسات الكاميرات الملحقة بالهواتف النقالة في أي مكان داخل المنازل أو خارجها أمرًا شائعًا، ولا غبار عليه في حد ذاته، عندما يُستخدم لأغراض شخصية لا تسيء لأي طرف آخر· ولكن المصيبة هي أن كثيرًا من أفراد المجتمع، من فئات عمرية مختلفة، أصبحوا يستخدمون هذه التقنية لأغراض سيئة، كتصوير الفتيات ثم توزيع الصور، (أو بيعها!) وهذا الأمر له وجهان: الأول أن تكون جميع الأطراف على علم ورضى بعملية التصوير، وعند ذلك يتحمل كل طرف جزءًا من المسؤولية·

والثاني، أن يتم التصوير دون معرفة أحد الأطراف، وهذا هو موضوعنا، وهو ما يؤدي إلى حدوث مشاكل بدأت تدبّ في أوصال مجتمعنا· وسنتوقف عند تصوير الفتيات والعرائس في حفلات الزفاف؛ فكلنا يعلم أن معظم حفلات الزفاف هذه الأيام أصبحت تخلو من الخصوصية، وأي عروس في أيامنا هذه لا بد أن يراودها شعور قوي بأنها تُصوَّر من قِبَل بعض المدعوات اللواتي قد يقمن بذلك لأسباب مختلفة، بعضها يمكن تفسيره بحسن النية، ومعظمها لا يكون إلا بسوء نية للأسف·

وعلى الرغم من أن طبيعة الملابس في هذا الوقت قد تغيرت، وأصبحت النساء يملْنَ كثيرًا إلى لبس ما يكشف أكثر مما يستر، إلا أن احتياطات الأمن والستر أصبحت أقل، ومع انتشار الهواتف النقالة المزودة بكاميرات عادية وكاميرات فيديو، أصبحت إمكانية تصوير أي لقطة في أي وقت واردة وممكنة، وبكل سهولة أيضًا، وقد أصبح تصوير لقطات من حفلات الأعراس أمرًا شائعًا، وانتشار صور العرائس بين الشباب أمرًا أكثر شيوعًا، وتبادل صورة زوجة فلان الفلاني بصورة زوجة فلان العلاني أصبح أمرًا ممتعًا عند كثير من الشباب الذين يستمتعون بالعبث بأعراض الآخرين وحرمتهم دون أن يفكروا أن الدنيا سلف وديْن!

وقد يتساءل البعض عن كيفية وصول مثل هذه الصور إلى هواتف الشباب، والإجابة على ذلك هي كثرة وجود (فاعلات الخير!!) في أيامنا هذه؛ إذ يوجد عدد من النساء اللواتي لا وظيفة لهنّ سوى حضور الأعراس بدعوة أو دون دعوة، وتصوير العروس، أو أي فتاة تحدد لهنّ بالاسم، ثم (بيع) الصورة على من طلبها مقابل مبالغ مالية· ولهذا السبب انتشرت مؤخرًا ظاهرة اشتراط إحضار بطاقات الدعوة، ليس من قبيل الترف، بقدر ما هي رغبة في تحقيق الستر وتقليل احتمالات حدوث مثل هذه الأمور·

ومن وسائل وصول صور العرائس إلى الشباب أن بعض النساء من الأمهات والأخوات والقريبات لا يترددن في تصوير العروس بطلب من الأخ أو الابن أو القريب الذي كان ينوي خطبتها، ولكنها أصبحت من نصيب رجل آخر، وعلى الرغم من أنها أصبحت في ذمة رجل آخر إلا أن الشاب عندما يطلب من أمه أو أخته أو أي قريبة أن تصورها له لأنه يريد أن يراها فقط فإنها تقوم بذلك من أجله دون أن يردها رادع من دين أو خلق للأسف، ودون أن تفكر في عواقب ذلك، وما يمكن أن يحدث للفتاة لو أصرّ هو على الاحتفاظ بالصورة عنده· فهل من الممكن أن يأتمن الناسُ الناسَ على أعراضهم، ويدعوهم لمشاركتهم أفراحهم ثم يكون جزاؤهم تصوير بناتهم ونسائهم وتوزيع صورهنّ على الشباب؟

لقد أصبح وجود ألبوم صور خاص بالعرائس في هواتف الشباب وفي أجهزة حواسيبهم أمرًا منتشرًا على نطاق واسع في مجتمعنا، نتيجة غياب الوازع الديني، وتذبذب الوعي الأخلاقي، وقد تسبب هذا في ازدياد حالات الطلاق مؤخرًا بسبب تفاجؤ أحد الشباب بصورة زوجته في هواتف شباب آخرين، دون أن يكون لها أي ذنب في ذلك·

وحتى في غير الأعراس أصبحت هذه الظاهرة منتشرة وتحتاج إلى زيادة توعية المجتمع بخطرها وضررها؛ فقد طُلِّقت إحدى الطالبات في جامعة من جامعاتنا لأنها كانت تتناول وجبةً في كافتيريا الجامعة، وبطبيعة الحال اضطرت إلى كشف نقابها خصوصًا أن الجامعة غير مختلطة، وقد انتبذت لنفسها مكانًا في زاوية معزولة لا تراها إلا الطالبات إن مررن، ولكن إحدى الطالبات -فاعلة خير أيضًا!- صورتها، ووزعت صورتها على الشباب، ليفاجأ بها زوجها ذات يوم·· ويطلقها·· لأنه كما قال لها: لا يستطيع تحمل أن يرى صورة زوجته في هواتف الشباب!

هل هذا هو الحل؟ أن نطلق زوجاتنا، وأن نحبس بناتنا وأخواتنا في البيوت ونحرّم عليهن الخروج من المنزل بسبب ذنب لم يقترفنه؟ إن القضية شديدة الخطورة، ولا يرتبط الأمر بأخلاق الفتاة المصوَّرة بقدر ما يرتبط بأخلاق شريحة كبيرة من شبابنا وشاباتنا، وللأسف بأخلاق بعض الذين تجاوزا مرحلة الشباب والطيش وعدم النضج عمريًا، ولكنهم لا يزالون كذلك فكريًا وأخلاقيا·

بالنسبة لصالات الأعراس يمكننا أن نطالب الصالات الكبرى والصغرى، في الفنادق وغيرها، بضرورة وضع مفتشات نساء مزودات بأجهزة تكشف عن وجود أجهزة الهاتف النقالة، ثم التأكد من عدم وجود كاميرا بها· ولكن هذا الأمر لن يكون حلا حقيقيًا لسببيْن: الأول أن كثيرًا من النساء يحملن جهازيْن أحدهما بكاميرا والآخر بدون كاميرا، وعندما يصدر جهاز الكشف صوتًا ستخرج الهاتف غير المزود بكاميرا فتراه المفتشة وتطمئن ولا تكمل تمرير الجهاز على المرأة نفسها التي تكون قد أخفت الجهاز الآخر في مكان آخر·

السبب الثاني هو أن أي حل وقائي سيكون حلا مؤقتا، لا يتناول المشكلة من جذورها العميقة، ومعنى هذا أن المشكلة ستبقى قائمة، ونحن في حاجة إلى حل يجتثّ هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعاتنا من أعمق جذورها، بحيث نطمئن أنه حتى إذا دخلت جميع المدعوات بهواتفهن المزودة بالكاميرات فإن أيًا منهن لن تُقْدِمَ على فعل شيء مشين كتصوير العروس أو أي من المدعوات، وهذا لن يتحقق إلا بزيادة توعية الناس بأخطار مثل هذا السلوك، وبضرورة تمسك كل فرد في المجتمع بالأخلاق، لأن الأمم بأخلاقها كما قال أميرا الشعراء، فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا·

 *جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

قوس التطرف:
سعاد المعجل
زمانان ما بين هدى وليلى:
د. محمد عبدالله المطوع
الفساد وذاكرة المجتمع:
محمد بو شهري
لاحاجة إلى حوار بين الأديان:
فهد راشد المطيري
ماكو فايدة:
على محمود خاجه
فراش الوزير "وزير":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
نواب الأمة كل وهمّه:
المهندس محمد فهد الظفيري
كارثة الغزو.. كلاكيتزز ثاني مرة:
صلاح الهاشم
سبع سنوات أخرى:
د. محمد حسين اليوسفي
رمضان ومفارقات الزمان:
د. لطيفة النجار
عام الهزيمة والإحباط في إسرائيل:
عبدالله عيسى الموسوي
في ما أثاره حارس العقيدة من جدل:
منصور مبارك
كاميرات في حفلات الزفاف:
د. فاطمة البريكي