رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 15 نوفمبر 2006
العدد 1750

هل فقدت أمريكا الشرق الأوسط؟

جاء مقال الكاتب البريطاني "باتريك سيل" هذا فور نشر "ريتشارد هاس" المتخصص في السياسة الخارجية الأمريكية لمقالة عنوانها "انتهى العصر الأمريكي في الشرق الأوسط" (فورن أفيرز، 1 نوفمبر 2006) وعبر قراءاته لمجريات السياسة الأمريكية طيلة أكثر من عقدين في الوطن العربي وبقية دول ما يسمى في الاصطلاح الأمريكي بالشرق الأوسط· إلا أن "باتريك سيل" رغم تعداده لما اعتبره "أخطاء في السياسة الأمريكية" لا يري أن ما ذهب اليه "ريتشارد هاس" ممكن، وأن أهمية القوى المحلية ستزداد، على اعتبار أن ليس هناك قوة دولية أخرى، روسيا أو الصين أو أوروبا، قادرة على الحلول محل النفوذ الأمريكي، وعلى اعتبار أن القوى المحلية متناحرة، وذات أهداف محدودة الطموحات، ويبدو أن "باتريك سيل" قد توصل الى هذه الفكرة من نافذة مقولة قديمة للمستشرق "برنارد لويس" مفادها أن هناك قانونا يحكم المنطقة العربية والإسلامية عموما، وهو أن من السهل أن تقوم باحتلالها قوة أجنبية، وأن هذه القوة لا تزول إلا بوساطة قوة أجنبية أخرى، ولم تنبع هذه الفكرة من قراءة موضوعية للتغيرات الواقعية على الأرض التي تبرهن تاريخيا وراهنا على قانون آخر، وهو أن المنطقة تمتلك إمكانات طرد القوى الأجنبية بقواها الذاتية حين تصل الى وحدة كفاحية شاملة·

"الطليعة"

 

باتريك سيل*:

قال ريتشارد هاس أحد أهم المتخصصين في السياسة الخارجية الأمريكية "إن العصر الأمريكي في الشرق الأوسط قد ولى"، وجاء هذا الرأي - الذي يخالفه طبعا جورج بوش - في الفقرة الأولى من مقال كتبه هاس في العدد الأخير من مجلة "الشؤون الخارجية" (فورين أفيرز) ذات الشهرة العالمية التي يصدرها مجلس الشؤون الخارجية في نيويورك الذي يرأسه هاس·

ويرى هاس أن تاريخ الشرق الأوسط شهد دورا رئيسيا لأمريكا في رابع فترة للهيمنة من قبل أطراف خارجية، إذ كانت الفترة الأولى في عهد الإمبراطورية العثمانية التي استمرت حتى الحرب العالمية الأولى، ثم جاء الحكم الاستعماري الفرنسي والبريطاني بين الحربين العالميتين، وجاءت بعده الحرب الباردة التي تنافست فيها موسكو وواشنطن، ثم تقاسمتا النفوذ بينهما وجاء انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 ليدفع أمريكا الى احتلال المركز الأول، وتتمتع بما يسميه ريتشارد هاس "نفوذا غير مسبوق وحرية تصرّف مطلقة" غير أن هذا العصر اقترب الآن من نهايته بل ربما انتهى فعلا، ويتنبأ هاس أن تدخل المنطقة في مرحلة يكون فيها "دور اللاعبين الخارجيين ذا أثر محدود في حين تزداد أهمية القوى المحلية"·

ومن حقنا التساؤل حول صحة ما يقوله هاس، وما إذا كان قد تسرع في حكمه وكان تحليله متأثرا بأخطاء رئاسة جورج بوش وتهورها، ترى هل تستعيد أمريكا سلطتها في عهد إدارة جديدة؟ إنها أسئلة بالغة الأهمية بالنسبة إلى المنطقة·

ربما صح القول مبدئيا إن أمريكا على رغم إخفاقاتها الأخيرة مازالت لا تواجه أي تحد جدي لنفوذها في الشرق الأوسط من قبل أي دولة خارجية أو من قبل مجموعة دول· أجل إن حرب العراق تستحق أن توصف بأنها كارثة كبرى، ولكن ليست هناك دولة أخرى في العالم تستطيع أن تتحمل صرف خمسمئة بليون دولار ونشر 140 ألف جندي لمدة غير محدودة·

ربما يأمل الاتحاد الأوروبي أن يكون مركز الثقل المقابل لأمريكا، غير أنه ظهر جليا أنه أخفق في وضع سياسة خارجية أو دفاعية موحدة· فأعضاؤه منقسمون تتجاذبهم تيارات شتى، وقد اختلفوا حول الموضوعات المهمة كحرب العراق والنزاع العربي - الإسرائيلي وكيفية مواجهة الحركة الإسلامية· ولقد انحازت بريطانيا الى أمريكا في شأن العراق وتخلت عن شركائها الأوروبيين تاركة الانقسام يسود صفوفهم· وبرزت الصين بفضل نموها الاقتصادي الخارق كخصم استراتيجي لأمريكا خصوصا في شرق آسيا· وهي حقا منافس قوي جدا في السباق العالمي المحموم على المواد الأولية· وحققت اختراقات عميقة في إفريقيا حيث يعمل حاليا نصف مليون صيني معظمهم في مواقع العمران والبناء·

غير أن مشاركات وتحالفات الصين الاقتصادية لم تترجم بعد الى مصدر قوة كالتي تملكها أمريكا بفضل أساطيلها الكبرى في البحار وشبكة قواعدها العسكرية في أنحاء العالم وتفوقها التكنولوجي·

وأما الاقتصاد الروسي فقد تحسن على صعيد موارد النفط والغاز ولكن ما زالت روسيا بعيدة جدا عن استعادة النفوذ الكبير الذي كان لها في الشرق الأوسط بوصفها مصدرا للأسلحة ودولة عظمى تحمي العديد من الدول العربية·

وأما بالنسبة الى اللاعبين المحليين الذين يتنبأ هاس بأنهم سوف يزدادون نفوذا، فيصعب أن نرى بأي لاعبين يفكر؟ فالعرب غالبا ما يتناحرون وهم أكثر انقساما من الأوروبيين، ومازالت ثروتهم النفطية - التي هي سلاحهم المادي الوحيد - غير مستثمرة لأي غرض سياسي·

وأما إيران فهي تشكل تحديا جديا للقوة الأمريكية غير أن طموحاتها تبدو محلية ودفاعية، فهي تسعى لكسر العزلة المصطنعة التي فرضتها عليها أمريكا وتريد الاعتراف بها كلاعب رئيسي في الخليج وكحامية للأقليات الشيعية في كل مكان· وهي على الصعيد الحربي تسعى للحصول على الوسائل التي تمكنها من مواجهة أو ردع أي هجوم عليها - لكي تتجنب دماراً كالذي أصاب العراق - ولا تسعى الى مهاجمة الآخرين·

وأما اللاعبون من غير الدول كـ "حزب الله" و"حماس" فإنهم لا يشكلون بأي صورة تحديا جديا لأمريكا، فنزاعهم هو مع إسرائيل ومع ما سمحت أمريكا لإسرائيل بفعله في لبنان وفي الأراضي الفلسطينية· وطموحاتهم محدودة بمجتمعاتهم، فإذا ما عولجت شكاواهم المشروعة توقفوا عن كونهم مصدرا لأي تهديد·

فما دامت أمريكا إذن لا تواجه تحديا جديا في المستقبل القريب لا من داخل المنطقة ولا من خارجها فربما استعادت مركزها ونفوذها· أجل لا شك أن أمريكا مكروهة اليوم على الصعيد الشعبي في العالمين العربي والإسلامي بل إنها موضع اشمئزاز في الكثير من الأوساط· ولن تتردد الحركات النضالية في توجيه ضربة لها إذا استطاعت الى ذلك سبيلا·

وينظر كثير من العرب بشيء من الشوق والحنين الى عهد الرئيس إيزنهاور الذي وضع حداً للعدوان الثلاثي (البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي) على مصر عام 1956، بل إلى عهد الرئيس كارتر الذي وإن كان لم يستطع أن ينهي سوى نصف المهمة - حين وضع معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية - لكنه بذل جهدا شجاعا لحل النزاع العربي - الإسرائيلي بكل أطرافه، لذلك فما على أمريكا أن تفعل لاستعادة مصداقيتها وثقة العرب سوى أن تعترف بما ارتكبته من أخطاء، وربما كان الخطأ الأكبر الذي ارتكب خلال ربع القرن الماضي هو السماح لإسرائيل بتوسيع مستوطناتها على الأراضي الفلسطينية، فليس هنالك عائق أمام حل النزاع العربي - الإسرائيلي واندماج إسرائيل في المنطقة أكبر من النصف مليون مستوطن  في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقد أدى التآكل القاسي الذي أصاب ما تبقى من فلسطين الى نشوء حركة "حماس" والى ازدياد مشاعر العداء نحو أمريكا  في العالمين العربي والإسلامي·

والخطأ الآخر الذي ارتكب في عهد الرئيس رونالد ريغان  هو السماح لإسرائيل باجتياح لبنان عام  1982 وقتل ما يزيد عن 17 ألف لبناني وفلسطيني بل حاولت أمريكا أن تكافئ إسرائيل على اجتياحها حين حاولت إكراه لبنان على توقيع صلح منفرد مع إسرائيل كي يبقى في فلكها وحين أخفقت هذه المحاولة سمحت أمريكا لإسرائيل بالبقاء في جنوب لبنان طيلة 18 سنة حتى عام 2000 وهذا الاجتياح والاحتلال هما اللذان أديا الى قيام "حزب الله"·

والخطأ الثالث الذي وقعت فيه أمريكا هو فشلها في إقامة علاقات صداقة مع إيران طيلة 27 سنة منذ جاءت الثورة الإسلامية بقيادة الخميني بل إنها سادت العراق في الحرب الطويلة والوحشية بين العراق وإيران "1980-1988" وحين ثارت ثائرتها بسبب احتجاز الدبلوماسيين في السفارة الأمريكية في طهران طيلة 444 يوماً في بداية الثورة وقعت في فخ العداء الصارخ تجاه دولة مهمة في المنطقة وهي تدفع ثمن هذا الخطأ بالتحدي الإيراني حول الموضوع النووي·

وأما الخطأ الرابع والأفدح قياسا بالأخطاء الثلاثة فهو في رد فعل بوش المتسرع وغير المتوازن بعد أحداث 11 أيلول "سبتمبر" 2001 فالحرب على العراق لأسباب واهية واحتيالية انتهت الى كونها خطأ كارثيا وقد تم شنها وسط الأجواء المحمومة آنذاك لتلقين العرب درسا حول قوة أمريكا وللطمع بالسيطرة على موارد العراق النفطية المهمة، ورغبة في تحسين وضع إسرائيل وبيئتها الاستراتيجية بضرب دولة عربية كبرى وكان هذا الهدف الأخير في ذهن المسؤولين الموالين لإسرائيل في الإدارة الأمريكية·

فهذه الحرب والحرب الشاملة على الإرهاب التي هي جزء منها لم تبدد الموارد الأمريكية البشرية والمادية فحسب بل إن الأذى أصاب المستوى الأخلاقي الأمريكي وربما الى غير رجعة·

وما على أمريكا أن تفعله اليوم هو أن تستعيد استقلال سياستها الخارجية وتتحرر من نفوذ أصحاب اللوبي والمصالح الخاصة، وعليها أن تعاقب اولئك المسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان وعن التعذيب وعليها أن تحدد موعدا نهائياً لانسحابها من العراق، وأن تبذل كل جهد وكل الإمكانات لحل النزاع العربي- الإسرائيلي على أسس من الإنصاف والعدل·

ما زال لدى جورج بوش عامان في الحكم، فهل هو فاعل أم أن نبوءة ريتشارد هاس حول نهاية العصر الأمريكي ستثبت صحتها·

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط

عن موقع www.egenceglobal.com  "1 نوفمبر 2006"

طباعة  

بإمكانها نزع الفتيل في أي وقت إن هي أقدمت على خطوات جدية في محاربة الفساد
التهدئة والتصعيد قراران بيد الحكومة تختار بينهما

 
وزير الطاقة ينفي و"الطليعة" تؤكد قيام "الصينية" بطرح مناقصة باسم الحكومة
"الكورية" تقدم عرضا منفرداً آخر

 
فيما دعمه الوزير السابق الذي "لمع" مؤقتاً بمساعدة وكيله المساعد(ع خ)
الاستئناف تحكم على الوكيل وسبعة آخرين منهم المقاول (س ب) بالحبس 7 سنوات

 
وحكم إداري ينصف موظفا في الجمارك
 
لا صحة للتداعيات السلبية لشكاوى الإفصاح
 
"إعانة المرضى" يعقد جمعية عمومية استثنائية بعد 3 أشهر من الحادثة
هل ستفرض الشؤون نظاماً مختلفاً للمتابعة؟

 
العلاج في الخارج.. مصالح انتخابية محلياً ومستفيدون خارجيا
مرضى طالبوا بتشكيل لجنة تدقيق على الفواتير

 
رسالة من د. متروك الفالح والشاعر علي الدميني
الإصلاحيون السعوديون ممنوعون من السفر منذ خمس سنوات

 
خسر بوش وسيربح الجمهوريون
 
بلير وبوش مشغولان بإعداد سياسة جديدة تجاه العراق
 
عدوى شراء الأصوات تنتقل الى الانتخابات البحرينية
 
زعيمة الديمقراطيين قادمة الى الكونغرس:
ما يعنينا في الشرق الأوسط الإسرائيليون والأمريكيون.. والبقية سقط متاع!

 
اتجاهات