كتب محرر الشؤون الدولية:
حظيت "نانسي بيلوسي" من الحزب الديمقراطي الأمريكي، التي من المتوقع أن تتزعم الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس الأمريكي بأضواء المحللين والمعلقين السياسيين لمعرفة اتجاهات الرياح بعد أن حقق الديمقراطيون فوزا كاسحا في الانتخابات النصفية، وجاء ميزان تقييم موقفها من أبرز القضايا الراهنة، العراق وإسرائيل والفلسطينيين والشرق الأوسط والقضايا النووية· فماذا تحمل زعيمة الديمقراطيين التي يفترض أن حزبها كما يقال يمثل القواعد الشعبية في أمريكا؟
الكاتب الأمريكي "مارك جافنيü" لفت الأنظار الى أحدث خطاباتها أمام منظمة "إيباك" الصهيونية، (23 مايو 2005) ورأى في هذا الخطاب البضاعة القديمة نفسها ولا تشكل نقطة انطلاق سياسي الى مواقف جديدة، وهو ما يعبر عنه غالبية قيادات الحزب الديمقراطي وما يشهد عليه سجل تصويت الديمقراطيين واتفاقهم مع الجمهوريين حول قضايا الشرق الأوسط بخاصة في السنوات الأخيرة·
من أبرز النقط التي لفت الكاتب إليها الانتباه، والتي جاءت في خطاب بيلوسى المشار اليه، هي أنها تنكر أن القضية الأساسية هي الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة، في رفض صارخ لعدد كبير من قرارات مجلس الأمن الدولي التي صوتت الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها لصالحها، ويفترض أنها مازالت تساندها، ولكن الواضح أن هذه القرارات لم تعد في الحسبان، ولم تكن في الحسبان لسنوات طويلة· القضية الجوهرية بالنسبة لها كما تقول هو بقاء إسرائيل، وهذه هي التعويذة المعهودة التي يمكن بها أن يكون أي شيء وكل شيء ممكنا (بما في ذلك بالطبع بناء المستعمرات ومصادرة الأراضي الفلسطينية واستخدام الأسلحة الأمريكية ضد الفلسطينيين إذا قاوموا)· باستثناء أن فيها مغالطة بسيطة، وهي أنها غير صحيحة ولم تكن كذلك منذ العام 1949·
وتكرر "بيلوسي" سطرا معهودا آخر، ذلك القول إنه لم يكن هناك شريك سلام حتى انتهى عرفات، وتدفق الضوء فجأة· وتوضح "بيلوسي" أن عمل الرئيس عباس في نظرها هو الخدمة كشرطي عند إسرائيل، ومن الواضح من كلامها أن شرعيته تستمد وجودها من هذه الوظيفة، أما السعي الى مصالح شعبه فمسألة ثانوية·
إلا أن أكثر أقوالها صراحة ووضوحا تتعلق بالانتشار النووي، وتظهر هذه الأقوال لماذا أن الديمقراطيين (الذين لا يتعاملون معها) ليسوا بأفضل من الجمهوريين (الذين تعاملوا معها من منطلق خاطئ دائما) بل قد يكون الديمقراطيون أكثر خطورة، وتحديدا لأنه لا يزال هناك تصور في أمريكا، وهو خطأ على أية حال، بأن الديمقراطيين هم حزب الأفكار المستنيرة·
فبناء على كلام "بيلوسي"، فإن الخطر الأعظم على إسرائيل اليوم يأتي من إيران، التي تهدد طموحاتها النووية، رغم عدم وجود برهان عليها، الولايات المتحدة أيضا، ويحتوي منظور "بيلوسي" هذا بذرة نذر شؤوم قادمة، لأن شيئا ما يجب القيام به في المقام الأول، كما تقول، بشأن إيران، أليس كذلك؟ نعم·· وبأسرع وقت!
وبين هذا وذاك، تتجاهل "بيلوسي" الديمقراطية معاملة إسرائيل الوحشية للفلسطينيين، وهي المعاملة التي لا شك أنها الأخطر على إسرائيل حتى الآن، وتجيء من الداخل· بل ولا تشير مجرد إشارة الى ترسانة إسرائيل النووية والكيميائية والبايولوجية الهائلة، وبدلا من ذلك تحتوي أقوالها بالإضافة الى هذا افتراضا ضمنياً مقلقا مفاده أن الناس الوحيدين الذين لهم أهمية في المنطقة هم الإسرائيليون والأمريكيون، وكل الآخرين، وعمليا جميع سكان بلدان المنطقة العديدة، رغم أن خطر الأسلحة النووية عليهم ليس أقل، بل وأكثر، لا يحسب لهم حساب في معادلاتها، وما ملحوظات "بيلوسي" في الحقيقة، إلا ملحوظات عنصرية ضمنيا لهذا السبب· فالآخرون، سكان الشرق الأوسط بالنسبة لها سقط متاع·
ومع ذلك، ما يصدم أكثر في حديثها، هو أنها تأخذ الاحتكار النووي الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة مأخذ المسلمات، كما لو أنه فعل من أفعال الخير والضرورة، والغرض من معاهدة منع الانتشار النووي في رأيها هو إغلاق الباب أمام الدول العاصية التي هي دائماً الآخرون وليس نحن، وهذه هي البضاعة التي صنـع بوساطتـها الكابوس النووي·
* www.globalresearch.na