نعود الى قضية وحدة التيار الديمقراطي التقدمي والدعوات الصادرة عن رئيسي جمعيتي المنبر التقدمي والعمل الوطني الديمقراطي، نعود إليها لأنها كانت وما زالت تشكل هما مستمرا سواء للكثير من الفعاليات الناشطة إبان العمل السري في تنظيمي جبهة التحرير الوطني البحرينية أو الجبهة الشعبية في البحرين بعد استقلالها تنظيميا عن الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي بعد المؤتمر الثالث في عام 1974، بل لقد حمل هذا الهم الكثيرون من عناصر التنظيمين حتى الذين ابتعدوا عن النشاط التنظيمي، الى جانب الكثير من الفعاليات التي تنتمي لشرائح التكنوقراط والطبقة الوسطى، وهو هم تعايشه الطبقة العاملة والشرائح المسحوقة في هذا المجتمع سواء وعت الى تلك المعاناة أم لم تعها، فهذا التيار كان ومازال يدافع عن مصالحها وإن كان ذلك بفعالية محدودة نتيجة للصراعات والحساسيات غير المبررة التي عاشها ويعيشها هذا التيار خصوصا بعد التغيرات العميقة التي شهدتها الساحة العالمية، وسقوط المنظومة الاشتراكية والمراجعات التي عاشتها الساحة المحلية للمرجعيات والأفكار ومجموعة القيم التي تنطلق من خلالها توجهاتها وممارساتها·
والسؤال الذي نود توجيهه للتيارين وفعالياتهما وقياداتهما هو: ما الذي يمنعكم من ذلك؟ وهل تكفي النوايا الطيبة والخطاب المتناغم لخلق وحدة منسجمة لهذا التيار قادرة على أن تعيد لهذا التيار دوره النضالي والجماهيري وتحوله الى قوة فاعلة ورقم صعب في المعادلة السياسية في الساحة البحرينية؟
في تصورنا وحسب رؤيتنا المتواضعة أن هناك حاجة ماسة تفرض على كل فصيل في هذا التيار مراجعة بنيته الفكرية، وتوجهاته وأولوياته وقراءاته للساحة السياسية المحلية، حتى يستطيع أن يؤسس مع الآخر أرضية قوية متماسكة لمثل هذا التوحُد أو الاندماج الذي يدعون إليه، أو على الأقل من أجل التحضير للمؤتمر الذي تحدث عنه الأخ عبد الرحمن النعيمي، فإن خلق التناغم وإيجاد الأرضية المتماسكة ولو بقراءات واجتهادات متعددة لهو أساس مهم وجذري قبل الدعوة الى أي مؤتمر وطني تدعو إليه الفعاليات الوطنية والديمقراطية المستقلة إلى جانب الكثير من العناصر التي بقيت خارج هذين السربين رغم كل الخيوط والقراءات والأفكار التي تشدها الى هذا الفصيل أو ذاك، على سبيل المثال·
كما يحتاج المنبر التقدمي إلى مراجعة ودراسة حالة أو قرار المشاركة ومدى إمكانية تطوير المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار في ضوء التراجعات المستمرة من قبل السلطة التنفيذية لما طرح في ميثاق العمل الوطني، ومدى إمكانية تعديل مسار عملية الإصلاح وإعادة المكتسبات الدستورية التي سلبنا إياها دستور 2002، فإن العمل الوطني مطالب بمراجعة موقف المقاطعة ومدى إمكانية صمود تحالفه مع الوفاق في ظل التمترس الواضح وراء قضايا الطائفية واستمرار هيمنة رجال الدين على مواقف الوفاق وقدرتها على التعامل مع قضايا المجتمع وتحديثه، أو بكلمات مختصرة هل موقف الوفاق ونظرته لتحالفاته في القضية الدستورية ينبع من رؤية استراتيجية نحو تفعيل الديمقراطية والتحديث أم هو موقف تكتيكي وانتقائي حسب الضغوط التي تمارس على قيادته السياسية من قبل الزعامات الدينية المتمترسة وراء مرجعيات طائفية، وإن أنكرت ذلك؟
لذا ندعو التيارين أو الفصيلين الى المبادرة بممارسة مراجعة ذاتية وترتيب مسبق لأولوياتهما وقراءاتهما للمعطيات والمتغيرات على الساحة السياسية المحلية، ومن ثم وبعد تحديد ثوابت اللقاء يمكنهما تشكيل لجان مشتركة يمكن أن يساهم فيها المستقلون من الفعاليات الديمقراطية التقدمية وبالذات المتخصصون والأكاديميون لكي يتم ليس فقط إغناء وتعميق النقاش والحوار داخل هذه اللجان التي ستعد للمؤتمر، وإنما لتعزيز القدرة على طرح برنامج وطني متكامل يسمح لهذا التيار من خلال توسيع دائرة نقاشه وحواراته وبرنامجه المستقبلي وإقراره، بتشكيل اصطفافات وتحالفات أكبر مع القوى والتكتلات الوطنية الأخرى، ويؤسس أرضية لخلق ما يدعو إليه الآخرون من تيار ليبرالي وحداثي واسع يتبنى برامج ورؤى وأهدافا تتوافق والمرحلة التي تمر بها البحرين، بل ويؤهله لقيادة مرحلة التحالفات الآنية مع مثل هذه القوى التي لا تمتلك لا النفس ولا القدرة على تحقيق مزيد من المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار من خلال تصديها للقضية الأساسية المتعلقة بالمسألة الدستورية ولا التصدي لمحاولات النكوص والتراجع عن العملية الإصلاحية التي تقودها قوى الفساد والإفساد التي تعرض الديمقراطية والشفافية والمشاركة الحقة في عملية صنع القرار ومصالحها للخطر·
لذا فإن هذا التيار شاء أم أبى يتحمل مسؤولية تاريخية في عملية تكريس وتجذير الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في هذا البلد والدفاع عن مصالح ومكتسبات هذا الشعب التي تم سلبها وتغييبها عام 2002·
ü كاتب بحريني |