يستمر بعض كتاب الأعمدة في صحافتنا المحلية في عملية خلط الأوراق، بل هم مستمرون في إعادة إنتاج واستخدام خطاب ومفردات عفا عليها الزمن· هذا الخطاب وهذه المفردات تم استهلاكها خلال الثلاثين سنة الماضية لتكميم الأفواه وتبرير الانفراد بعملية صنع القرار السياسي والاقتصادي والتنموي بشكل عام على طريقة لا صوت يعلو على صوت المعركة· فهي هنا من أجل التنمية وتحقيق الرفاهة التي لم ولن نراها، وهي في أنظمة أخرى من أجل فلسطين وترابها وشعبها الذي خانوه وباعوا حقوقه وضيعوها· فهم يختلفون في شكل وطبيعة المفردات المستخدمة لكنهم يهدفون إلى أمر واحد هو استمرار التسلط على القرار الوطني واحتكار عملية صنع القرار وتبرير الاستبداد وغياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية وتغييب حكم المؤسسات والقانون والشفافية ودعم عمليات النهب المنظم للمال العام والثروة الوطنية·
ولقد أثبتت التجارب وممارسات النظام العربي الرسمي، بل والتنظيمات والتيارات السياسية بأنه لا يمكن تجزئة القضايا والثوابت الأساسية في العمل الوطني والسياسي بحيث أصبح من المستحيل أن يحقق الحرية من لا يؤمن بالديمقراطية والتعددية وأن يحقق التنمية والرفاهية من يكمم الأفواه ولا يمارس الشفافية ويحارب الفساد ويكرس دولة المؤسسات وسيادة القانون والمواطنة في ظل تكافؤ الفرص سواسية المواطنين أمام القانون ومؤسساته في الحقوق والواجبات·
فمن الصعب أن يتقبل المواطن أو أن يستسيغ استمرار كتابنا وأجهزتنا الإعلامية في إعادة إنتاج مقولات وخطاب يهدف إلى تكميم الأفواه وتغييب حرية الرأي وتكريس التراجعات في عملية الإصلاح ودعم التوجه لانفراد السلطة التنفيذية بعملية صنع القرار من خلال آليات ديمقراطية شكلية تكرس وتقنن لاستمرار الأوضاع القديمة وتغييب الشفافية وسيادة القانون النابع من إرادة ومشاركة الشعب بحجة التنمية الاقتصادية ومستلزماتها أو تطفيش رؤوس الأموال والمستثمرين·
إن الأسطوانة التي تديرونها أيها السادة مشروخة ليس لأننا نقول ذلك أو لأن المعارضة تدعي ذلك، بل لأن الدراسات والحقائق والتجارب أثبتت ذلك بما لا يقبل المجادلة و"المقاوحة" على حد تعبير إخواننا المصريين، وكتابنا المعنيون وأجهزتنا الإعلامية يعلمون ذلك وهم يمارسون دورهم هذا بوعي وإدراك والذاكرة ليست مغيبة لتتذكر الخطاب والمفردات التي استخدمت لتبرير قوانين وممارسات أمن الدولة الذي لم يوفر لا الأمن ولا الرفاهية ولا التنمية ولا التوزيع العادل للثروة الوطنية والذي كرس انعدام الشفافية وأشاع الفساد والإفساد!!!
ولو كنا نعتقد أو نشك في وعيهم هذا أو طبيعة الدور الذي يلعبونه في صالح قوى الردة لنصحناهم بالاطلاع على نتائج الدراسات الميدانية لمؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وقراءة تقاريرهم حول علاقة معدلات التنمية والعدالة في توزيع الثروة بتوافر حرية الرأي والتعبير ومحاربة الفساد والشفافية وسيادة القانون وتجسيد المواطنة والتي أدت إلى تبني هذه المؤسسات العالمية لشروط ومستلزمات تقييم الحكم الصالح في دول العالم· إن تقارير دراسات هذه المؤسسات العالمية تنفي الأساس الذي يبنون عليه مقولاتهم وجدلهم وتنزع من أيديهم الحجة والمبرر لاستمرار العزف والرقص على تلك الأسطوانة المشروخة والتي تدعمها الحقائق والقصص التي مازال المواطنون يتداولونها عن حقيقة وطبيعة الأسباب التي أدت ومازالت تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وعزوف المستثمرين عن المساهمة في عملية التنمية سواء من قبل رأس المال الوطني أو الخليجي والعالمي!!!· لكنهم يمارسون خلط الأوراق في محاولة لتزييف وعي المواطن بوعي وإصرار يذكرني بالمقارنة التي عقدها أحد كتابنا المحليين منذ فترة بسيطة بين دخل المثقفين والمؤهلين ودخل الفنانين من طبالين وراقصين· والتي أرجو أن لا يكونوا قد تأثروا بها لدرجة اتخاذهم قرار استغلال خبرتهم في التطبيل والرقص الإعلامي لتبرير وشرعنة الممارسات غير الدستورية والتراجعات في عملية الإصلاح وتحديث الدولة لتغيير مهنتهم والتحول إلى راقصين وعازفي طبول·
* كاتب بحريني |