| بكل المقاييس والأعراف في السياسة الدولية تعتبر الحكومات في فترات حل مجلس الأمة حكومات مؤقتة تنحصر مهامها الرئيسة في الإعداد للانتخابات والإشراف عليها، حتى إذا وضعت المعركة الانتخابية أوزارها وأعلنت النتائج النهائية قدمت الحكومة استقالتها ممهدة الطريق لتشكيل حكومة جديدة تتفق توجهاتها مع نتائج الانتخابات· وبهذه الصفة فإن الحكومة في مثل هذه الظروف هي حكومة تصريف العاجل من الأمور، وبخاصة في ظل عدم إمكانية مساءلتها سياسيا بعد انتهاء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة· ومن هنا أتت المادة (71) من الدستور واضحة وجلية في تحديد الحالات التي يمكن فيها لهذه الحكومة من إصدار مراسيم بقوانين، رابطة ذلك بحالات الضرورة وبحيث لا تتحمل الدولة أعباء مالية إضافية وبالطبع بحيث تكون هذه القوانين منسجمة مع روح ونصوص الدستور·
هذا المفهوم المنطقي لحكومات فترات حل مجلس الأمة يبدو أنه غير راسخ في وجدان السياسة المحلية، فبعيد حل المجلس صرح أقطاب الحكومة بأنها ستتصدى لتشريع القوانين بالاستناد الى المادة (71) من الدستور، وأضاف الأقطاب أن هذه الحكومة ستنجز خلال شهرين ما عجز مجلس الأمة عن إنجازه خلال مدة ولايته· ومن هذا المنظور أخذت حكومة الإعداد للانتخابات على عاتقها كامل مهام المجلس التشريعي، فشكّل مجلس الوزراء لجنة وزارية مصغرة هي في جوهرها "مجلس أمة" وهو أمر لا يستند الى الدستور أو الى أي من قوانين البلاد· كما شمّر المجلس الأعلى للتخطيط عن سواعد الجد بعد طول سبات فقام بإخراج ملفاته القديمة من الرفوف العالية لينفض الغبار عنها ووضعها موضوع التنفيذ العملي·
هذا الاتجاه لحكومة الإعداد للانتخابات استفز المرشحين الرئيسين فصعّدوا من حملاتهم الانتخابية ضدها مهددين برفض جميع مراسيم القوانين التي صدرت خلال فترة الحل وتحويل القضية الى المحكمة الدستورية إن اقتضت الحاجة، وفي هذه الدوامة من تصعيد الأحداث يبدو أن الحكومة بذرت بذرة الشقاق السياسي مع مجلس الأمة المقبل مما يهدد مستقبل العلاقة بين المجلسين ويجرنا الي دوامة الأزمات السياسية مرة أخرى، وكأننا بذلك "لا طبنا ولا غدا الشر"·· |
