أسرار عجيبة وغريبة يزدحم بها المشهد العراقي والمأساة المروعة التي يعيشها شعبنا في ظل أقسى أنواع القمع والإرهاب·
إن آلاف الجرائم التي ارتكبها النظام لاتزال غامضة وهي غالبا ما تنفذ بمواطنين تم اختطافهم بطريقة سرية بالغة وأصبح مصيرهم مجهولا منذ سنين·
كذلك هناك أساليب لا تزال مجهولة يمارسها النظام في تصفية خصومه السياسيين وهذه وتلك يجب الكشف عنها وتوثيقها واطلاع الرأي العام عليها ومحاكمة ومعاقبة مرتكبيها·
وفي هذه الحلقات نعرض لعدد من الأساليب في قتل المواطنين وهي تنشر لأول مرة حيث أمكن الحصول عليها مؤخرا·
* اقتحم طه الأحبابي القصر الجمهوري صبيحة 17 يوليو 1968 وقتله صدام بالسم بعد ثلاثين عاما لأنه فضح التزوير·
لقد تعرض الأحبابي مؤخرا الى انتكاسة صحية، فتوجه الى أحد المستشفيات الخاصة بصدام وأركان نظامه لكنه فوجئ برفض استقباله وتقديم العلاج له فأبلغ إدارة المستشفى أن يتصلوا بصدام لكن الإدارة اعتذرت لأن التعليمات تنص على عدم علاج أي من كان إلا بأمر رئاسي، فطلب منهم أن يتصلوا بديوان الرئاسة فورا لأن حالته خطيرة وبعد أن أجري الاتصال وحصلت الموافقة كان الوقت قد فات ومات الأحبابي·
وذكرت مصادر وثيقة أن سبب تدهور صحة الأحبابي ناجمة عن التسمم الذي تعرض له من قبل صدام والإجراءات الانتقامية التي اتخذت ضده بسبب تصريحات أدلى بها الأحبابي الى جريدة الجمهورية العام الماضي والتي قال فيها: إن صدام حضر الى القصر الجمهوري يوم 17 يوليو 1968 في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا، وهذا خطأ فادح وقع فيه الأحبابي، ليس من جهة كذبه وتحريفه الحقائق لأن ما ذكره كان صحيحا لاسيما أن الأحبابي كان آنذاك ضابطا برتبة ملازم أول وقد شارك في انقلاب عام 1968 حيث كان أول من دخل القصر الجمهوري في الساعة السابعة صباحا يوم 17 يوليو 1968 والتقى كلا من ابراهيم الداود وسعدون غيدان· إلا أن الأحبابي في ذكره الحقيقة غفل أنه يناقض بذلك مزاعم صدام والذي ظل ولا يزال يزعم بأنه هو من قاد الانقلاب وهو الذي اقتحم القصر الجمهوري في ساعات الصباح المبكرة مما جعل صدام تثور ثائرته على رفيق قديم من رفاقه وأحد المقربين له لاسيما أن الأحبابي كان عضوا في جهاز "حنين" وهو جهاز الحزب الصدامي والذي تحول بعد الانقلاب الى جهاز مخابرات وهذا الجهاز الذي ظل الأحبابي أبرز عناصره ظلت مهامه الأكثر أولوية هي تعذيب المعتقلين وتصفيتهم وبقي الأحبابي أبرز عناصر أجهزة صدام القمعية لكن عمله كان في الظل حتى خرج الى الأضواء وتولى منصب مدير الأمن العام بعد استبعاد سبعاوي ابراهيم - أخ صدام والذي عزل من المنصب إثر صراعات على مراكز القوى أواخر عام 1995· وجاء اللقاء الذي أجرته جريدة الجمهورية مع الأحبابي ليكون موعده مع الموت البطيء حيث استشاط صدام غضبا وأصدر على الفور قرارا بعزله من منصبه واستدعاه الى مكتبه في القصر الجمهوري ليبلغه بإعفائه من منصبه وتكليفه بمنصب جديد هو رئاسة جمعية المحاربين القدامى والإشراف على منظمة ثوار يوليو إضافة الى منصب مستشار، وهذا المنصب الأخير مقدمة لتصفية كل من يصل دور الانتقام إليه·
* وذكرت المصادر أن الأحبابي في تلك المقابلة تناول فنجانا من القهوة قدمه إليه صدام ولا بد أنه من خلال عمله الطويل كان يدرك أن السم قد قدم له في فنجان القهوة ذاك وتأتي تصفية الأحبابي بهذه الطريقة منسجمة مع سيل متصل من التصفيات التي قام بها صدام، سواء في صفوف الانقلابين أو في صفوف الحزب الذي تحول الى منظمة "حنين" والتي صارت هي الحزب بعد تصفية الحسابات·
وحتى منظمة "حنين" هي الأخرى قام صدام بتصفيتها تباعا بمختلف الأساليب وبمختلف الوسائل ويكشف ذلك عن خطأ حسابات خطيرة وقع فيها الكثيرون ممن وثقوا بصدام وتوهموا أن ولاءهم له وخدمتهم وقبولهم أداء دور التابع الذليل المنفذ بكل ما يخطط له صدام من جرائم يجعلهم بمنأى عن غدره وسمومه وثبت بالتجربة العملية أن أكثر الناس قربا لصدام هم أكثرهم عرضة للقتل· |